وقرئ بنصب التاء وحجته قوله: * (إلا من هو صال الجحيم) * (الصافات: 163) وقرأ أبو عمرو وعاصم برفع التاء من أصيلته النار لقوله: * (ثم الجحيم صلوه) * (الحاقة: 31) وقوله: * (ونصلوه جهنم) * وصلوه مثل أصلوه، وقرأ قوم تصلى بالتشديد، وقيل: المصلى عند العرب، أن يحفروا حفيرا فيجمعوا فيه جمرا كثيرا، ثم يعمدوا إلى شاة فيدسوها وسطه، فأما ما يشوى فوق الجمر أو على المقلاة أو في التنور، فلا يسمى مصلى. وقوله: * (حامية) * أي قد أوقدت، وأحميت المدة الطويلة، فلا حر يعدل حرها، قال ابن عباس: قد حميت فهي تتلظى على أعداء الله.
* (تسقى من عين ءانية) *.
وأما مشروبهم فقوله تعالى: * (تسقى من عين آنية) * الآني الذي قد انتهى حره من الإيناء بمعنى التأخير. وفي الحديث: " أن رجلا آخر حضور الجمعة ثم تخطى رقاب الناس، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: آنيت وآذيت " ونظير هذه الآية قوله: * (يطوفون بينها وبين حميم آن) * (الرحمن: 44) قال المفسرون: إن حرها بلغ إلى حيث لو وقعت منها قطرة على جبال الدنيا لذابت.
* (ليس لهم طعام إلا من ضريع) *.
وأما مطعومهم فقوله تعالى: * (ليس لهم طعام إلا من ضريع) * واختلفوا في أن الضريع. ما هو على وجوه أحدها: قال الحسن: لا أدري ما الضريع ولم أسمع فيه من الصحابة شيئا وثانيها: روى عن الحسن أيضا أنه قال: الضريع بمعنى المضرع كالأليم والسميع والبديع بمعنى المؤلم والمسمع والمبدع، ومعناه إلا من طعام يحملهم على أن يضرعوا ويذلوا عند تناوله لما فيه من الخشونة والمرارة والحرار وثالثها: أن الضريع ما يبس من الشبرق، وهو جنس من الشوك ترعاه الإبل ما دام رطبا، فإذا يبس تحامته وهو سم قاتل، قال أبو ذويب: رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوي * وعاد ضريعا عاد عنه النحائص جمع نحوص وهي الحائل من الإبل، وهذا قول أكثر المفسرين وأكثر أهل اللغة ورابعها: قال الخليل في كتابه: ويقال للجلدة التي على العظم تحت اللحم هي الضريع، فكأنه تعالى وصفه بالقلة، فلا جرم لا يسمن ولا يغني من جوع وخامسها: قال أبو الجوزاء: الضريع السلا، ويقرب منه ما روي عن سعيد بن جبير أنه شجرة ذات شوك، ثم قال أبو الجوزاء: وكيف يسمن من كان يأكل الشوك! وفي الخبر الضريع شيء يكون في النار شبيه الشوك أمر من الصبر، وأنتن من الجيفة وأشد حرا من النار، قال القفال: والمقصد من ذكر هذا الشراب وهذا الطعام، بيان نهاية ذلهم وذلك لأن القوم لما أقاموا في تلك السلاسل والأغلال تلك المدة الطويلة عطاشا جياعا، ثم ألقوا في النار فرأوا فيها ماء وشيئا من النبات، فأحب أولئك القوم تسكين ما بهم من العطش والجوع فوجدوا الماء حميما لا يروي بل يشوي، ووجدوا النبات مما لا يشبع ولا يغني من جوع، فأيسوا وانقطعت أطماعهم في إزالة ما بهم من الجوع والعطش، كما قال: * (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل) * (الكهف: 29)