الكلام غير لائق بالرسول عليه الصلاة والسلام، ثم إن صح ذلك يحمل على أنه كان مقصوده عليه الصلاة والسلام أن يجربها ليعرف قدر علمها، أو ليعرف الناس قدر علمها، واختلفوا في قدر مدة انقطاع الوحي، فقال ابن جريج: اثنا عشر يوما، وقال الكلبي: خمسة عشر يوما، وقال ابن عباس: خمسة وعشرون يوما، وقال السدي ومقاتل: أربعون يوما، واختلفوا في سبب احتباس جبريل عليه السلام، فذكر أكثر المفسرين أن اليهود سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح وذي القرنين وأصحاب الكهف، فقال: " سأخبركم غدا ولم يقل إن شاء الله " فاحتبس عنه الوحي، وقال ابن زيد: السبب فيه كون جرو في بيته للحسن والحسين، فلما نزل جبريل عليه السلام، عاتبه رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال: " أما علمت أنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة " وقال جندب بن سفيان: رمى النبي عليه الصلاة بحجر في إصبعه، فقال: هل أنت إلا أصبع دميت * وفي سبيل الله ما لقيت فأبطأ عنه الوحي، وروي أنه كان فيهم من لا يقلم الأظفار وههنا سؤالان.
السؤال الأول: الروايات التي ذكرتم تدل على أن احتباس الوحي كان عن قلى: * (قلنا) * أقصى ما في الباب أن ذلك كان تركا للأفضل والأولى، وصاحبه لا يكون ممقوتا ولا مبغضا، وروى أنه عليه الصلاة والسلام قال لجبريل: " ما جئتني حتى اشتقت إليك، فقال جبريل: كنت إليك أشوق ولكني عبدا مأمورا " وتلا: * (وما نتنزل إلا بأمر ربك) * (مريم: 64).
السؤال الثاني: كيف يحسن من السلطان أن يقول لأعظم الخلق قربة عنده: إني لا أبغضك تشريفا له؟ الجواب: أن ذلك لا يحسن ابتداء، لكن الأعداء إذا ألقوا في الألسنة أن السلطان يبغضه، ثم تأسف ذلك المقرب فلا لفظ أقرب إلى تشريفه من أن يقول له: إني لا أبغضك ولا أدعك، وسوف ترى منزلتك عندي.
المسألة الثالثة: هذه الواقعة تدل على أن القرآن من عند الله، إذ لو كان من عنده لما امتنع.
* (وللاخرة خير لك من الاولى) *.
واعلم أن في اتصاله بما تقدم وجوها أحدها: أن يكون المعنى أن انقطاع الوحي لا يجوز أن يكون لأنه عزل عن النبوة، بل أقصى ما في الباب، أن يكون ذلك لأنه حصل الاستغناء عن الرسالة، وذلك أمارة الموت فكأنه يقال: انقطاع الوحي متى حصل دل على الموت، لكن الموت خير لك. فإن مالك عند الله في الآخرة خير وأفضل مما لك في الدنيا وثانيها: لما نزل: * (ما ودعك ربك) * (الضحى: 3) حصل له بهذا تشريف عظيم، فكأنه استعظم هذا التشريف فقيل له: * (وللآخرة خير لك من الأولى) * أي هذا التشريف وإن كان عظيما إلا أن مالك عند الله في الآخرة خير وأعظم وثالثها: ما يخطر