غيبوبتها في أفق الغرب، فالنازعات إشارة إلى طلوعها وغرقا إشارة إلى غروبها أي تنزع، ثم تغرق إغراقا، وهذا الوجه ذكره قوم من المفسرين.
أما قوله: * (والناشطات نشطا) * فقال صاحب " الكشاف ": معناه أنها تخرج من برج إلى برج من قولك: ثور ناشط إذا خرج من بلد إلى بلد. وأقول يرجع حاصل هذا الكلام إلى أن قوله: * (والنازعات غرقا) * إشارة إلى حركتها اليومية * (والناشطات نشطا) * إشارة إلى انتقالها من برج إلى برج وهو حركتها المخصوصة بها في أفلاكها الخاصة، والعجب أن حركاتها اليومية قسرية، وحركتها من برج إلى برج ليست قسرية، بل ملائمة لذواتها، فلا جرم عبر عن الأول بالنزع وعن الثاني بالنشط، فتأمل أيها المسكين في هذه الأسرار.
وأما قوله: * (والسابحات سبحا) * فقال الحسن وأبو عبيدة رحمهما الله: هي النجوم تسبح في الفلك، لأن مرورها في الجو كالسبح، ولهذا قال: * (كل في فلك يسبحون) * (الأنبياء: 33).
وأما قوله: * (فالسابقات سبقا) * فقال الحسن وأبو عبيدة: وهي النجوم يسبق بعضها بعضا في السير بسبب كون بعضها أسرع حركة من البعض، أو بسبب رجوعها أو استقامتها.
وأما قوله تعالى: * (فالمدبرات أمرا) * ففيه وجهان أحدهما: أن بسبب سيرها وحركتها يتميز بعض الأوقات عن بعض، فتظهر أوقات العبادات على ما قال تعالى: * (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد) * وقال: * (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) * (البقرة: 189) وقال: * (لتعلموا عدد السنين والحساب) * ولأن بسبب حركة الشمس تختلف الفصول الأربعة، ويخلف بسبب اختلافها أحوال الناس في المعاش، فلا جرم أضيفت إليها هذه التدبيرات والثاني: أنه لما ثبت بالدليل أن كل جسم محدث ثبت أن الكواكب محدثة مفتقرة إلى موجد يوجدها، وإلى صانع يخلقها، ثم بعد هذا لو قدرنا أن صانعها أودع فيها قوى مؤثرة في أحوال هذا العالم، فهذا يطعن في الدين البتة، وإن لم نقل بثبوت هذه القوى أيضا، لكنا نقول: أن الله سبحانه وتعالى أجرى عادته بأن جعل كل واحد من أحوالها المخصوصة سببا لحدوث حادث مخصوص في هذا العالم، كما جعل الأكل سببا للشبع، والشرب سببا للري، ومماسة النار سببا للاحتراق، فالقول بهذا المذهب لا يضر الإسلام البتة بوجه من الوجوه، والله أعلم بحقيقة الحال. الوجه الثالث: في تفسير هذه الكلمات الخمسة أنها هي الأرواح، وذلك لأن نفس الميت تنزع، يقال فلان في النزع، وفلان ينزع إذا كان في سياق الموت، والأنفس نازعات عند السياق، ومعنى * (غرقا) * أي نزعا شديدا أبلغ ما يكون وأشد من إغراق النازع في القوس وكذلك تنشط لأن النشط معناه الخروج، ثم الأرواح البشرية الخالية عن العلائق الجسمانية المشتاقة إلى الاتصال العلوي بعد خروجها من ظلمة الأجساد تذهب إلى عالم الملائكة، ومنازل القدس على أسرع الوجوه في روح وريحان، فعبر عن ذهابها على هذه الحالة بالسباحة، ثم لا شك أن مراتب الأرواح