* (واليل إذا عسعس) *.
الأول: أنه قال بعد ذلك: * (والليل إذا عسعس) * وهذا بالنجوم أليق منه ببقر الوحش.
الثاني: أن محل قسم الله كلما كان أعظم وأعلى رتبة كان أولى، ولا شك أن الكواكب أعلى رتبة من بقر الوحش.
الثالث: أن (الخنس) جمع خانس من الخنوس، وإما جمع خنساء وأخنس من الخنس خنس بالسكون والتخفيف، ولا يقال: الخنس فيه بالتشديد إلا أن يجعل الخنس في الوحشية أيضا من الخنوس وهو اختفاؤها في الكناس إذا غابت عن الأعين.
قوله تعالى: * (والليل إذا عسعس) * ذكر أهل اللغة أن عسعس من الأضداد، يقال: عسعس الليل إذا أقبل، وعسعس إذا أدبر، وأنشدوا في ورودها بمعنى أدبر قول العجاج: حتى إذا الصبح لها تنفسا * وانجاب عنها ليلها وعسعسا وأنشد أبو عبيدة في معنى أقبل: مدرجات الليل لما عسعسا * (والصبح إذا تنفس) *.
ثم منهم من قال: المراد ههنا أقبل الليل، لأن على هذا التقدير يكون القسم واقعا بإقبال الليل وهو قوله: * (إذا عسعس) * وبإدباره أيضا وهو قوله: * (والصبح إذا تنفس) * ومنهم من قال: بل المراد أدبر وقوله: * (والصبح إذا تنفس) * أي امتد ضوءه وتكامل فقوله: * (والليل إذا عسعس) * (التكوير: 17) إشارة إلى أول طلوع الصبح، وهو مثل قوله: * (والليل إذا أدبر * والصبح إذا أسفر) * (المدثر: 34, 33) وقوله: * (والصبح إذا تنفس) * إشارة إلى تكامل طلوع الصبح فلا يكون فيه تكرار.
وأما قوله تعالى: * (والصبح إذا تنفس) * أي إذا أسفر كقوله: * (والصبح إذا أسفر) * (المدثر: 34) ثم في كيفية المجاز قولان:
أحدهما: أنه إذا أقبل الصبح أقبل بإقباله روح ونسيم، فجعل ذلك نفسا له على المجاز، وقيل تنفس الصبح.
والثاني: أنه شبه الليل المظلم بالمكروب المحزون الذي جلس بحيث لا يتحرك، واجتمع الحزن في قلبه، فإذا تنفس وجد راحة. فههنا لما طلع الصبح فكأنه تخلص من ذلك الحزن فعبر عنه بالتنفس وهو استعارة لطيفة.
* (إنه لقول رسول كريم) *.
واعلم أنه تعالى لما ذكر المقسم به أتبعه بذكر المقسم عليه فقال: * (إنه لقول رسول كريم) * وفيه قولان:
الأول: وهو المشهور أن المراد أن القرآن نزل به جبريل: فإن قيل: ههنا إشكال قوي وهو أنه حلف أنه قول جبريل، فوجب علينا أن نصدقه في ذلك، فإن لم نقطع بوجوب حمل