قال أساطير الاولين * كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون * ثم إنهم لصالوا الجحيم * ثم يقال هذا الذى كنتم به تكذبون) *.
واعلم أنه سبحانه لما بين عظم هذا الذنب أتبعه بذكر لواحقه وأحكامه فأولها: قوله: * (كلا) * والمفسرون ذكروا فيه وجوها الأول: أنه ردع وتنبيه أي ليس الأمر على ما هم عليه من التطفيف والغفلة، عن ذكر البعث والحساب فليرتدعوا، وتمام الكلام ههنا الثاني: قال أبو حاتم: * (كلا) * ابتداء يتصل بما بعده على معنى حقا * (إن كتاب الفجار لفي سجين) * وهو قول الحسن.
النوع الثاني: أنه تعالى وصف كتاب الفجار بالخيبة والحقارة على سبيل الاستخفاف بهم، وههنا سؤالات.
السؤال الأول: السجين اسم علم لشيء معين أو اسم مشتق عن معنى؟ قلنا فيه قولان:
الأول: وهو قول جمهور المفسرين: أنه اسم علم على شيء معين، ثم اختلفوا فيه، فالأكثرون على أنه الأرض السابعة السفلى، وهو قول ابن عباس في رواية عطاء وقتادة ومجاهد والضحاك وابن زيد، وروى البراء أنه عليه السلام قال: " سجين أسفل سبع أرضين " قال عطاء الخراساني: وفيها إبليس وذريته، وروى أبو هريرة أنه عليه السلام قال: " سجين جب في جهنم " وقال الكلبي ومجاهد: سجين صخرة تحت الأرض السابعة.
القول الثاني: أنه مشتق وسمي سجينا فعيلا من السجن، وهو الحبس والتضييق كما يقال: فسيق من الفسق، وهو قول أبي عبيدة والمبرد والزجاج، قال الواحدي: وهذا ضعيف والدليل على أن سجينا ليس مما كانت العرب تعرفه قوله: * (وما أدراك ما سجين) * أي ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت وقومك. ولا أقول هذا ضعيف، فلعله إنما ذكر ذلك تعظيما لأمر سجين. كما في قوله: * (وما أدراك ما يوم الدين) * (الإنفطار: 17) قال صاحب " الكشاف ": والصحيح أن السجين فعيل مأخوذ من السجن، ثم إنه ههنا اسم علم منقول من صف كحاتم وهو منصرف، لأنه ليس فيه إلا سبب واحد وهو التعريف، إذا عرفت هذا، فنقول قد ذكرنا أن الله تعالى أجرى أمورا مع عباده على ما تعارفوه من التعامل فيما بينهم وبين عظمائهم. فالجنة موصوفة بالعلو والصفاء والفسحة وحضور الملائكة المقربين، والسجين موصوف بالتسفل والظلمة والضيق وحضور الشياطين الملعونين، ولا شك أن العلو والصفاء والفسحة وحضور الملائكة المقربين، كل ذلك من صفات