وسادسها: قوله: * (أمين) * أي هو * (أمين) * على وحي الله ورسالاته، قد عصمه الله من الخيانة والزلل.
* (وما صاحبكم بمجنون * ولقد رءاه بالافق المبين * وما هو على الغيب بضنين) *.
ثم قال تعالى: * (وما صاحبكم بمجنون) * واحتج بهذه الآية من فضل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم فقال: إنك إذا وازنت بين قوله: * (إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين) * (التكوير: 21, 19) وبين قوله: * (وما صاحبكم بمجنون) * ظهر التفاوت العظيم: * (ولقد رآه بالأفق المبين) * يعني حيث تطلع الشمس في قول الجميع، وهذا مفسر في سورة النجم * (وما هو على الغيب بضنين) * أي وما محمد: (على الغيب بظنين)) * والغيب ههنا القرآن وما فيه من الأنباء والقصص والظنين المتهم يقال: ظننت زيدا في معنى اتهمته، وليس من الظن الذي يتعدى إلى مفعولين، والمعنى ما محمد على القرآن بمتهم أي هو ثقة فيما يؤدي عن الله، ومن قرأ بالضاد فهو من البخل يقال ضننت به أضن أي بخلت، والمعنى ليس ببخيل فيما أنزل الله، قال الفراء: يأتيه غيب السماء، وهو شيء نفيس فلا يبخل به عليكم، وقال أبو علي الفارسي: المعنى أنه يخبر بالغيب فيبينه ولا يكتمه كما يكتم الكاهن ذلك ويمتنع من إعلامه حتى يأخذ عليه حلوانا، واختار أبو عبيدة القراءة الأولى لوجهين: أحدهما: أن الكفار لم يبخلوه، وإنما اتهموه فنفي التهمة أولى من نضي البخل وثانيها: قوله: * (على الغيب) * ولو كان المراد البخل لقال بالغيب لأنه يقال: فلان ضنين بكذا وقلما يقال على كذا.
* (وما هو بقول شيطان رجيم) *.
ثم قال تعالى: * (وما هو بقول شيطان رجيم) * كان أهل مكة يقولون: إن هذا القرآن يجيء به شيطان فيلقيه على لسانه، فنفى الله ذلك، فإن قيل القول بصحة النبوة موقوف على نفي هذا الاحتمال، فكيف يمكن نفي هذا الاحتمال بالدليل السمعي؟ * (قلنا) * بينا أن على القول بالصرفة لا تتوقف صحة النبوة على نفي هذا الاحتمال، فلا جرم يمكن نفي هذا الاحتمال بالدليل السمعي.
* (فأين تذهبون) *.
ثم قال تعالى: * (فأين تذهبون) * وهذا استضلال لهم يقال لتارك الجادة اعتسافا، أين تذهب؟ مثلت حالهم بحالة في تركهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل، والمعنى أي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي قد بينت لكم، قال الفراء: العرب تقول إلى أين تذهب وأين تذهب، وتقول ذهبت الشام وانطلقت السوق، واحتج أهل الاعتزال بهذه الآية وجهه ظاهر.
* (إن هو إلا ذكر للعالمين) *.
ثم بين أن القرآن ما هو، فقال: * (إن هو إلا ذكر للعالمين) * أي هو بيان وهداية للخلق أجمعين.