الكمال والعزة، وأضدادها من صفات النقص والذلة، فلما أريد وصف الكفرة وكتابهم بالذلة والحقارة، قيل: إنه في موضع التسفل والظلمة والضيق، وحضور الشياطين، ولما وصف كتاب الأبرار بالعزة قيل: إنه * (لفي عليين) * (المطففين: 18). و * (يشهده المقربون) *.
السؤال الثاني: قد أخبر الله عن كتاب الفجار بأنه * (في سجين) * ثم فسر سجينا ب * (كتاب مرقوم) * فكأنه قيل: إن كتابهم في كتاب مرقوم فما معناه؟ أجاب القفال: فقال قوله: * (كتاب مرقوم) * ليس تفسيرا لسجين، بل التقدير: كلا إن كتاب الفجار لفي سجين، وإن كتاب الفجار كتاب مرقوم، فيكون هذا وصفا لكتاب الفجار بوصفين أحدهما: أنه في سجين والثاني: أنه مرقوم، ووقع قوله: * (وما أدراك ما سجين) * فيما بين الوصفين معترضا، والله أعلم. والأولى أن يقال: وأي استبعاد في كون أحد الكتابين في الآخر، إما بأن يوضع كتاب الفجار في الكتاب الذي هو الأصل المرجوع إلى في تفصيل أحوال الأشقياء، أو بأن ينقل ما في كتاب الفجار إلى ذلك الكتاب المسمى بالسجين، وفيه وجه ثالث: وهو أن يكون المراد من الكتاب، الكتابة فيكون في المعنى: كتابة الفجار في سجين، أي كتابة أعمالهم في سجين، ثم وصف السجين بأنه * (كتاب مرقوم) * فيه جميع أعمال الفجار.
السؤال الثالث: ما معنى قوله: * (كتاب مرقوم) *؟ قلنا فيه وجوه: أحدها: مرقوم أي مكتوبة أعمالهم فيه وثانيها: قال قتادة: رقم لهم بسوء أي كتب لهم بإيجاب النار وثالثها: قال القفال: يحتمل أن يكون المراد أنه جعل ذلك الكتاب مرقوما، كما يرقم التاجر ثوبه علامة لقيمته، فكذلك كتاب الفاجر جعل مرقوما برقم دال على شقاوته ورابعها: المرقوم: ههنا المختوم، قال الواحدي: وهو صحيح لأن الختم علامة، فيجوز أن يسمى المرقوم مختوما وخامسها: أن المعنى كتاب مثبت عليهم كالرقم في الثوب ينمحي، أما قوله: * (ويل يومئذ للمكذبين) * ففيه وجهان أحدهما: أنه متصل بقوله: * (يوم يقوم الناس) * أي: * (يوم يقوم الناس لرب العالمين) * (المطففين: 83) ويل لمن كذب بأخبار الله والثاني: أن قوله: * (مرقوم) * معناه رقم برقم يدل على الشقاوة يوم القيامة، ثم قال: * (ويل يومئذ للمكذبين) * في ذلك اليوم من ذلك الكتاب، ثم إنه تعالى أخبر عن صفة من يكذب بيوم الدين فقال: * (وما يكذب به إلا كل معتد أثيم، إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين) * ومعناه أنه لا يكذب بيوم الدين إلا من كان موصوفا بهذه الصفات الثلاثة فأولها: كونه معتديا، والاعتداء هو التجاوز عن المنهج الحق وثانيها: الأثيم وهو مبالغة في ارتكاب الإثم والمعاصي. وأقول الإنسان له قوتان قوة نظرية وكمالها في أن يعرف الحق لذاته، وقوة عملية وكمالها في أن يعرف الخير لأجل العمل به، وضد الأول أن يصف الله تعالى بما لا يجوز وصفه به، فإن كل من منع من إمكان البعث والقيامة إنما منع إما لأنه لم يعلم تعلق علم الله بجميع المعلومات من الكليات والجزئيات، أو لأنه لم يعلم تعلق قدرة الله بجميع الممكنات. فهذا الاعتداء ضد القوة العملية، هو الاشتغال بالشهوة