لنخرج به حبا ونباتا (15) وجنات ألفافا (16) إن يوم الفصل كان ميقاتا (17) ومنه أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض، وأما الثجاج فاعلم أن الثج شدة الانصباب يقال مطر ثجاج ودم ثجاج أي شديد الانصباب.
واعلم أن الثج قد يكون لازما، وهو بمعنى الأنصاب كما ذكرنا، وقد يكون متعديا بمعنى الصب وفى الحديث أفضل الحج العج والثج أي رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدى، وكان ابن عباس مثجا أي يثج الكلام ثجا في خطبته وقد فسروا الثجاج في هذه الآية على الوجهين، قال الكلبي ومقاتل وقتادة الثجاج ههنا المتدفق المنصب، وقال الزجاج معناه الصباب كأنه يثج نفسه أي يصب، وبالجملة فالمراد تتابع القطر حتى يكثر الماء فيعظم النفع به.
قوله تعالى (لنخرج به حبا ونباتا، وجنات ألفافا) في الآية مسائل:
(المسألة الأولى) كل شئ نبت من الأرض فإما أن لا يكون له ساق وإما أن يكون، فان لم يكن له ساق فإما أن يكون له أكمام وهو الحب وإما أن لا يكون له أكمام وهو الحشيش وهو المراد ههنا بقوله (ونباتا) وإلى هذين القسمين الإشارة بقوله تعالى (كلوا وارعوا أنعامكم) وأما الذي له ساق فهو الشجر فإذا اجتمع منها شئ كثير سميت جنة، فثبت بالدليل العقلي انحصار ما ينبت في الأرض في هذه الأقسام الثلاثة، وإنما قدم الله تعالى الحب لأنه هو الأصل في الغداء، وإنما ثنى بالنبات لاحتياج سائر الحيوانات إليه، وإنما أخر الجنات في الذكر لان الحاجة إلى الفواكه ليست ضرورية.
(المسألة الثانية) اختلفوا في ألفافا، فذكر صاحب الكشاف أنه لا واحد له كالأوزاع والأخياف، والأوزاع الجماعات المتفرقة والاحياف الجماعات المختلفة، وكثير من اللغويين أثبتوا له واحدا، ثم اختلفوا فيه، فقال الأخفش والكسائي واحدها لف بالكسر، وزاد الكسائي لف بالضم، وأنكر المبرد الضم، وقال بل واحدها لفاء وجمعها لف، وجمع الف ألفاف، وقيل يحتمل أن يكون جمع لفيف كشريف وأشراف نقله القفال رحمه الله، إذا عرفت هذا فنقول قوله (وجنات ألفافا) أي ملتفة، والمعنى أن كل جنة فإن ما فيها من الشجر تكون مجتمعة متقاربة، ألا تراهم يقولون امرأة لفاء إذا كانت غليظة الساق مجتمعة اللحم يبلغ من تقاربه أن يتلاصق.
(المسألة الثالثة) كان الكلبي من القائلين بالطبائع، فاحتج بقوله تعالى (لنخرج به حبا ونباتا) وقال إنه يدل على بطلان قول من قال إن الله تعالى لا يفعل شيئا بواسطة شئ آخر.
قوله تعالى (إن يوم الفصل كان ميقاتا).