كلا لما يقض ما أمره (23) فلينظر الانسان إلى طعامه (24) أنا صببنا الماء صبا (25) المذكورة قبل ذلك فإنه يعلم أوقاتها من بعض الوجوه، إذا الموت وإن لم يعلم الإنسان وقته ففي الجملة يعلم أنه لا يتجاوز فيه إلا حدا معلوما.
قوله تعالى (كلا لما يقض ما أمره) واعلم أن قوله (كلا) ردع للانسان عن تكبره وترفعه، أو عن كفره وإصراره على إنكار التوحيد، وعلى إنكاره البعث والحشر والنشر، وفى قوله (لما يقض ما أمره) وجوه (أحدها) قال مجاهد لا يقضى أحد جميع ما كان مفروضا عليه أبدا، وهو إشارة إلى أن الانسان لا ينفك عن تقصير البتة، وهذا التفسير عندي فيه نظر، لان قوله (لما يقض) الضمير فيه عائد إلى لمذكور السابق، وهو الانسان في قوله (قتل الانسان ما أكفره) وليس المراد من الانسان ههنا جميع الناس بل الانسان الكافر فقوله (لما يقض) كيف يمكن حمله على جميع الناس (وثانيها) أن يكون المعنى أن الانسان المترفع التكبر لم يقض ما أمر به من ترك التكبر، إذ المعنى أن ذلك الانسان الكافر لم يقض ما أمر به من التأمل في دلائل الله، والتدبر في عجائب خلقه وبينات حكمته (وثالثها) قال الأستاذ أبو بكر بن فورك: كلا لم يقض الله لهذا الكافر ما أمره به من الايمان وترك التكبر، بل أمره بما لم يقض له به.
واعلم أن عادة الله تعالى جارية في القرآن بأنه كلما ذكر الدلائل الموجودة في الأنفس، فإنه يذكر عقيبها الدلائل الموجودة في الآفاق فجرى ههنا على تلك العادة وذكر دلائل الآفاق وبدأ مما يحتاج الانسان إليه.
فقال (فلينظر الانسان إلى طعامه) الذي يعيش به كيف دبرنا أمره، ولا شك أنه موضع الاعتبار. فإن الطعام الذي يتناول الانسان له حالتان (إحداهما) متقدمة وهو الأمور التي لابد من وجودها حتى يدخل ذلك الطعام في الوجود (والثانية) متأخرة. وهي الأمور التي لابد منها في بدن الانسان حتى يحصل له الانتفاع بذلك الطعام المأكول، ولما كان النوع الأول أظهر للحس (1) وأبعد عن الشبهة، لا جرم اكتفى الله تعالى بذكره، لان دلائل القرآن لابد وأن تكون بحيث ينتفع بها كل الخلق، فلا بد وأن تكون أبعد عن اللبس والشبهة، وهذا هو المراد من قوله (فلينظر الانسان إلى طعامه) واعلم أن النبت إنما يحصل من القطر النازل من السماء الواقع في الأرض. فالسماء كالذكر. والأرض كالأنثى فذكر في بيان نزول القطر.
قوله (أنا صببنا الماء صبا) وفيه مسألتان: