المسألة الثانية: ظاهر الآية يقتضي كون الأرض بعد السماء، وقوله: في حم السجدة، * (ثم استوى إلى السماء) * (فصلت: 11) يقتضي كون السماء بعد الأرض، وقد ذكرنا هذه المسألة في سورة البقرة في تفسير قوله: * (ثم استوى إلى السماء) * (البقرة: 29) ولا بأس بأن نعيد بعض تلك الوجوه أحدها: أن الله تعالى خلق الأرض أولا ثم خلق السماء ثانيا ثم دحى الأرض أي بسطها ثالثا، وذلك لأنها كانت أولا كالكرة المجتمعة، ثم إن الله تعالى مدها وبسطها، فإن قيل الدلائل الاعتبارية دلت على أن الأرض الآن كرة أيضا، وإشكال آخر وهو أن الجسم العظيم يكون ظاهره كالسطح المستوي، فيستحيل أن يكون هذا الجسم مخلوقا ولا يكون ظاهره مدحوا مبسوطا وثانيها: أن لا يكون معنى قوله * (دحاها) *: مجرد البسط، بل يكون المراد أنه بسطها بسطا مهيأ لنبات الأقوات وهذا هو الذي بينه بقوله: * (أخرج منها ماءها ومرعاها) * (النازعات: 31) وذلك لأن هذا الاستعداد لا يحصل للأرض إلا بعد وجود السماء فإن الأرض كالأم والسماء كالأب، وما لم يحصلا لم تتولد أولا المعادن والنباتات والحيوانات وثالثها: أن يكون قوله: * (والأرض بعد ذلك) * أي مع ذلك كقوله: * (عتل بعد ذلك زنيم) * (القلم: 13) أي مع ذلك، وقولك للرجل أنت كذا وكذا ثم أنت بعدها كذا لا تريد به الترتيب، وقال تعالى: * (فك رقبة، أو إطعام في يوم ذي مسغبة) * إلى قوله: * (ثم كان من الذين آمنوا) * (البلد: 17) والمعنى وكان مع هذا من أهل الإيمان بالله، فهذا تقرير ما نقل عن ابن عباس ومجاهد والسدي وابن جريج أنهم قالوا في قوله: * (والأرض بعد ذلك دحاها) * أي مع ذلك دحاها.
المسألة الثالثة: لما ثبت أن الله تعالى خلق الأرض أولا ثم خلق السماء ثانيا، ثم دحى الأرض بعد ذلك ثالثا، ذكروا في تقدير تلك الأزمنة وجوها. روي عن عبد الله بن عمر " خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة، ومنه دحيت الأرض " واعلم أن الرجوع في أمثال هذه الأشياء إلى كتب الحديث أولى.
* (أخرج منها مآءها ومرعاها) *.
الصفة الثانية: قوله تعالى: * (أخرج منها ماءها ومرعاها) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: ماؤها عيونها المتفجرة بالماء ومرعاها رعيها، وهو في الأصل موضع الرعي، ونصب الأرض والجبال بإضمار دحا وأرسى على شريطة التفسير، وقرأهما الحسن مرفوعين على الابتداء، فإن قيل: هلا أدخل حرف العطف على أخرج قلنا لوجهين؟ الأول: أن يكون معنى دحاها بسطها ومهدها للسكنى، ثم فسر التمهيد بما لا بد منه في تأتي سكناها من تسوية أمر المشارب والمآكل وإمكان القرار عليها بإخراج الماء والمرعى وإرساء الجبال وإثباتها أوتادا لها حتى تستقر ويستقر عليها والثاني: أن يكون * (أخرج) * حالا، والتقدير والأرض بعد ذلك دحاها حال ما أخرج منها ماء ومرعاها.