لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا (34) إلا حميما وغساقا (25) جزاء وفاقا (26) في أهل القبلة (إلا ما شاء ربك) قلنا (الجواب) من وجوه (الأول) أن لفظ الأحقاب لا يدل على مضى حقب له نهاية وإنما الحق الواحد متناه، والمعنى أنهم يلبثون فيها أحقابا كلما مضى حقب تبعه حقب آخر، وهكذا إلى الأبد (الثاني) قال الزجاج: المعنى أنهم يلبثون فيها أحقابا لا يذوقون في الأحقاب بردا ولا شرابا، فهذه الأحقاب توقيت لنوع من العذاب، وهو أن لا يذوقوا بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا، ثم يبدلون بعد الأحقاب عن الحميم والغساق من جنس آخر من العذاب (وثالثها) هب أن قوله ((أحقابا) يفيد التناهي، لكن دلالة هذا على الخروج دلالة المفهوم، والمنطوق دل على أنهم لا يخرجون. قال تعالى (يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم) ولا شك أن المنطوق راجح، وذكر صاحب الكشاف في الآية وجها آخر، وهو أن يكون أحقابا من حقب عامنا إذا قل مطره وخيره، وحقب فلان إذا أخطاه الرزق، فهو حقب وجمعه أحقاب، فينتصب حالا عنهم بمعنى لابثين فيها حقبي مجدبين، وقوله (لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا) تفسير له.
(ورابعها) قوله تعالى (لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا، إلا حميما وغساقا، جزاء وفاقا) وفيه مسائل:
(المسألة الأولى) إن اخترنا قول الزجاج كان قوله (لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا) متصلا بما قبله، والضمير في قوله (فيها) عائد إلى الأحقاب، وإن لم نقل به كان هذا كلاما مستأنفا مبتدأ، والضمير في قوله فيها عائد إلى جهنم.
(المسألة الثانية) في قوله (بردا) وجهان (الأول) أنه البرد المعروف، والمراد أنهم لا يذوقون مع شدة الحر ما يكون فيه راحة من ريح باردة، أو ظل يمنع من نار، ولا يجدون شرابا يسكن عطشهم، ويزيل الحرقة عن بواطنهم، والحاصل أنهم لا يجدون هواء باردا، ولا ماء باردا (والثاني) البرد ههنا النوم، وهو قول الأخفش والكسائي والفراء وقطرب والعتبى، قال الفراء: وإنما سمى النوم بردا لأنه يبرد صاحبه، فإن العطشان ينام فيبرد بالنوم، وأنشد أبو عبيدة والمبرد في بيان أن المراد من البرد النوم قول الشاعر:
بردت مراشفعها على فصدنى... عنها وعن رشقاتها البرد يعنى النوم، قال المبرد: ومن أمثال العرب: منع البرد البرد أي أصابني من البرد ما منعني من النوم، واعلم أن القول الأول أولى لأنه إذا أمكن حمل اللفظ على الحقيقة المشهورة، فلا معنى لحمله على المجاز النادر الغريب والقائلون بالقول الثاني تمسكوا في إثباته بوجهين (الأول) أنه لا يقال ذقت البرد ويقال ذقت النوم (الثاني) أنهم يذوقون برد الزمهرير، فلا يصح أن يقال إنهم ما ذاقوا