* (أئنا لمردودون في الحافرة) * (النازعات: 10) أي نرجع إلى الدنيا حتى نتحمل هذا الخوف لأجلها وقالوا أيضا: * (تلك إذا كرة خاسرة) * (النازعات: 12) فأول هذا الكلام حكاية لحال من غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين وأوسطه حكاية لحال المنافقين وآخره حكاية لكلام المنافقين في إنكار الحشر، ثم إنه سبحانه وتعالى أجاب عن كلامهم بقوله: * (فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة) * (النازعات: 14, 13) وهذا كلام أبي مسلم واللفظ محتمل له وإن كان على خلاف قول الجمهور.
قوله تعالى: * (قلوب يومئذ واجفة أبصارها خاشعة) * اعلم أنه تعالى لم يقل: القلوب يومئذ واجفة، فإنه ثبت بالدليل أن أهل الإيمان لا يخافون بل المراد منه قلوب الكفار، ومما يؤكد ذلك أنه تعالى حكى عنهم أنهم يقولون: * (أئنا لمردودون في الحافرة) * (النازعات: 10) وهذا كلام الكفار لا كلام المؤمنين، وقوله: * (أبصارها خاشعة) * لأن المعلوم من حال المضطرب الخائف أن يكون نظره نظر خاشع ذليل خاضع يترقب ما ينزل به من الأمر العظيم، وفي الآية سؤالان:
السؤال الأول: كيف جاز الابتداء بالنكرة؟ الجواب: قلوب مرفوعة بالابتداء وواجفة صفتها وأبصارها خاشعة خبرها فهو كقوله: * (لعبد مؤمن خير من مشرك) * (البقرة: 221).
السؤال الثاني: كيف صحت إضافة الأبصار إلى القلوب؟ الجواب: معناه أبصار أصحابها بدليل قوله يقولون، ثم اعلم أنه تعالى حكى ههنا عن منكري البعث أقوالا ثلاثة:
أولها: قوله تعالى: * (يقولون أئنا لمردودون في الحافرة) * يقال رجع فلان في حافرته أي في طريقه التي جاء فيها فحفرها أي أثر فيها بمشيه فيها جعل أثر قدميه حفرا فهي في الحقيقة محفورة إلا أنها سميت حافرة، كما قيل: * (في عيشة راضية) * (الحاقة: 21) و * (ماء دافق) * (الطارق: 6) أي منسوبة إلى الحفر والرضا والدفق أو كقولهم نهارك صائم، ثم قيل لمن كان في أمر فخرج منه ثم عاد إليه رجع إلى حافرته، أي إلى طريقته وفي الحديث: " إن هذا الأمر لا يترك على حاله حتى يرد على حافرته " أي على أول تأسيسه وحالته الأولى وقرأ أبو حياة في الحفرة، والحفرة بمعنى المحفورة يقال: حفرت أسنانه، فحفرت حفرا، وهي حفرة، هذه القراءة دليل على أن الحافرة في أصل الكلمة بمعنى المحفور، إذا عرفت هذا ظهر أن معنى الآية: أنرد إلى أول حالنا وابتداء أمرنا فنصير أحياء كما كنا.
وثانيها: قوله تعالى: * (أئذا كنا عظاما نخرة) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حمزة وعاصم ناخرة بألف، وقرأ الباقون نخرة بغير ألف، واختلفت الرواية عن الكسائي فقيل: إنه كان لا يبالي كيف قرأها، وقيل: إنه كان يقرؤها بغير ألف، ثم رجع إلى الألف، واعلم أن أبا عبيدة اختار نخرة، وقال: نظرنا في الآثار التي فيها ذكر العظام التي قد نخرت، فوجدناها كلها العظام النخرة، ولم نسمع في شيء منها الناخرة، وأما من سواه، فقد اتفقوا