العلم الإجمالي فيحصل في أول زمان الحشر، لأن المطيع يرى آثار السعادة، والعاصي يرى آثار الشقاوة في أول الأمر. وأما العلم التفصيل، فإنما يحصل عند قراءة الكتب والمحاسبة.
الاحتمال الثاني: أن يكون المراد قيل: قيام القيامة بل عند ظهور أشراط الساعة وانقطاع التكاليف، وحين لا ينفع العمل بعد ذلك كما قال: * (لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) * فيكون ما عمله الإنسان إلى تلك الغاية، هو أول أعماله وآخرها، لأنه لا عمل له بعد ذلك، وهذا القول ذكره القفال.
* (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم * الذى خلقك فسواك فعدلك * فى أي صورة ما شآء ركبك) *.
اعلم أنه سبحانه لما أخبر في الآية الأولى عن وقوع الحشر والنشر ذكر في هذه الآية ما يدل عقلا على إمكانه أو على وقوعه، وذلك من وجهين الأول: أن الإله الكريم الذي لا يجوز من كرمه أن يقطع موائد نعمه عن المذنبين، كيف يجوز في كرمه أن لا ينتقم للمظلوم من الظالم؟ الثاني: أن القادر الذي خلق هذه البنية الإنسانية ثم سواها وعدلها، إما أن يقال: إنه خلقها لا لحكمة أو لحكمة، فإن خلقها لا لحكمة كان ذلك عبثا، وهو غير جائز على الحكيم، وإن خلقها لحكمة، فتلك الحكمة، إما أن تكون عائدة إلى الله تعالى أو إلى العبد، والأول باطل لأنه سبحانه متعال عن الاستكمال والانتفاع. فتعين الثاني، وهو أنه خلق الخلق لحكمة عائدة إلى العبد، وتلك الحكمة إما أن تظهر في الدنيا أو في دار سوى الدنيا. والأول باطل لأن الدنيا دار بلاء وامتحان، لا دار الانتفاع والجزاء، ولما بطل كل ذلك ثبت أنه لا بد بعد هذه الدار من دار أخرى، فثبت أن الاعتراف بوجود الإله الكريم الذي يقدر على الخلق والتسوية والتعديل يوجب على العاقل أن يقطع بأنه سبحانه يبعث الأموات ويحشرهم، وذلك يمنعهم من الاعتراف بعدم الحشر والنشر، وهذا الاستدلال هو الذي ذكر بعينه في سورة التين حيث قال: * (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) * إلى أن قال: * (فما يكذبك بعد بالدين) * (التين: 7, 4) وهذه المحاجة تصلح مع العرب الذين كانوا مقرين بالصانع وينكرون الإعادة، وتصلح أيضا مع من ينفي الابتداء والإعادة معا، لأن الخلق المعدل يدل على الصانع وبواسطته يدل على صحة القول بالحشر والنشر، فإن قيل: بناء هذا الاستدلال على أنه تعالى حكيم، ولذلك قال في سورة التين بعد هذا الاستدلال: * (أليس الله بأحكم الحاكمين) * (التين: 8) فكان يجب أن يقول في هذه السورة: ما غرك بربك الحكيم الجواب: أن الكريم