* فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس) *.
(يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا) فما معنى قوله (علمت نفس)؟ قلنا (الجواب) من وجهين (الأول) أن هذا هو من عكس كلامهم الذي يقصدون به الافراط، وإن كان اللفظ موضوعا للقليل، ومنه قوله تعالى (ربما يود الذين كفروا) كمن يسأل فاضلا مسألة ظاهرة ويقول هل عندك فيها شئ؟ فيقول ربما حضر شئ وغرضه الإشارة إلى أن عنده في تلك المسألة مالا يقوم به غيره. فكذا ههنا (الثاني) لعل الكفار كانوا يتعبون أنفسهم في الأشياء التي يعتقدونها طاعات ثم بدا لهم يوم القيامة خلاف ذلك هو المراد من هذه الآية:
قوله تعالى (فلا أقسم بالخنس، الجواري الكنس) الكلام في قوله: * (لا أقسم) * قد تقدم في قوله: * (لا أقسم بيوم القيامة) * (القيامة: 1)، * (والخنس * الجواري الكنس) * فيه قولان: الأول: وهو المشهور الظاهرة أنها النجوم الخنس جمع خانس، والخنوس والانقباض والاستخفاء تقول: خنس من بين القوم وانخنس، وفي الحديث " الشيطان يوسوس إلى العبد فإذا ذكر الله خنس " أي انقبض ولذلك سمي الخناس * (والكنس) * جمع كانس وكانسة يقال: كنس إذا دخل الكناس وهو مقر الوحش يقال كنس الظباء في كنسها، وتكنست المرأة إذا دخلت هودجها تشبه بالظبي إذا دخل الكناس. ثم اختلفوا في خنوس النجوم وكنوسها على ثلاثة أوجه فالقول الأظهر: أن ذلك إشارة إلى رجوع الكواكب الخمسة السيارة واستقامتها فرجوعها هو الخنوس وكنوسها اختفاؤها تحت ضوء الشمس، ولا شك أن هذه حالة عجيبة وفيها أسرار عظيمة باهرة القول الثاني: ما روي عن علي عليه السلام وعطاء ومقاتل وقتادة أنها هي جميع الكواكب وخنوسها عبارة عن غيبوبتها عن البصر في النهار وكنوسها عبارة عن ظهورها للبصر في الليل أي تظهر في أماكنها كالوحش في كنسها والقول الثالث: أن السبعة السيارة تختلف مطالعها ومغاربها على ما قال تعالى: * (برب المشارق والمغارب) * (المعارج: 40) ولا شك أن فيها مطلعا واحدا ومغربا واحدا هما أقرب المطالع والمغارب إلى سمت رؤوسنا، ثم إنها تأخذ في التباعد من ذلك المطلع إلى سائر المطالع طول السنة، ثم ترجع إليه فخنوسها عبارة عن تباعدها عن ذلك المطلع، وكنوسها عبارة عن عودها إليه، فهذا محتمل فعلى القول الأول يكون القسم واقعا بالخمسة المتحيرة، وعلى القول الثاني يكون القسم واقعا بجميع الكواكب وعلى هذا الاحتمال الذي ذكرته يكون القسم واقعا بالسبعة السيارة والله أعلم بمراده.
والقول الثاني: أن * (الخنس * الجواري الكنس) * وهو قول ابن مسعود والنخعي أنها بقر الوحش، وقال سعيد بن جبير: هي الظباء، وعلى هذا الخنس من الخنس في الأنف وهو تقعير في الأنف فإن البقر والظباء أنوفها على هذه الصفة * (والكنس) * جمع كانس وهي التي تدخل الكناس والقول هو الأول، والدليل عليه أمران: