وذلك لأنهما يومان عظمهما الله وجعلهما من أيام أركان أيام الحج، فهذان اليومان يشهدان لمن يحضر فيهما بالإيمان واستحقاق الرحمة، وروى أنه عليه السلام ذبح كبشين، وقال في أحدهما: " هذا عمن يشهد لي بالبلاغ " فيحتمل لهذا المعنى أن يكون يوم النحر شاهدا لمن حضره بمثل ذلك لهذا الخبر وثالثها: أن الشاهد هو عيسى لقوله تعالى حكاية عنه: * (وكنت عليهم شهيدا) * (المائدة: 117)، ورابعها: الشاهد هو الله والمشهود هو يوم القيامة، قال تعالى: * (يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون) * (يس: 52) وقوله: * (ثم ينبئهم بما عملوا) * (المجادلة: 7)، وخامسها: أن الشاهد هو الإنسان، والمشهود هو التوحيد لقوله تعالى: * (وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) * (الأعراف: 172) وسادسها: أن الشاهد الإنسان والمشهود هو يوم القيامة، أما كون الإنسان شاهدا فلقوله تعالى: * (قالوا بلى شهدنا) * (الأعراف: 172) وأما كون يوم القيامة مشهودا فلقوله: * (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) * (الأعراف: 172) فهذه هي الوجوه الملخصة، والله أعلم بحقائق القرآن.
قوله تعالى * (قتل أصحاب الاخدود * النار ذات الوقود * إذ هم عليها قعود * وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود) *.
اعلم أنه لا بد للقسم من جواب، واختلفوا فيه على وجوه أحدها: ما ذكره الأخفش وهو أن جواب القسم قوله: * (قتل أصحاب الأخدود) * واللام مضمرة فيه، كما قال: * (والشمس وضحاها) * (الشمس: 1) * (قد أفلح من زكاها) * (الشمس: 9) يريد. لقد أفلح، قال: وإن شئت على التقديم كأنه قيل: قتل أصحاب الأخدود والسماء ذات البروج وثانيها: ما ذكره الزجاج، وهو أن جواب القسم: * (إن بطش ربك لشديد) * (البروج: 12) وهو قول ابن مسعود وقتادة وثالثها: أن جواب القسم قوله: * (إن الذين فتنوا) * (البروج: 10) الآية كما تقول: والله إن زيدا لقائم، إلا أنه اعترض بين القسم وجوابه، قوله: * (قتل أصحاب الأخدود) * إلى قوله: * (إن الذين فتنوا) * (البروج: 10, 4) ورابعها: ما ذكره جماعة من المتقدمين أن جواب القسم محذوف، وهذا اختيار صاحب " الكشاف " إلا أن المتقدمين، قالوا: ذلك المحذوف هو أن الأمر حق في الجزاء على الأعمال وقال صاحب " الكشاف ": جواب القسم هو الذي يدل عليه قوله: * (قتل أصحاب الأخدود) * كأنه قيل: أقسم بهذه الأشياء، أن كفار قريش ملعونون كما لعن أصحاب الأخدود، وذلك لأن السورة وردت في تثبيت المؤمنين وتصبيرهم على أذى أهل مكة وتذكيرهم بما جرى على من تقدمهم من التعذيب على الإيمان حتى يقتدوا بهم ويصبروا على أذى قومهم، ويعلموا أن كفار مكة عند الله بمنزلة أولئك الذين كانوا في الأمم السالفة يحرقون أهل الإيمان بالنار، وأحقاء بأن يقال فيهم: قتلت قريش كما: * (قتل أصحاب الأخدود) * أما قوله تعالى: * (قتل أصحاب الأخدود) * ففيه مسائل: