وفتحت السماء فكانت أبوابا (19) وسيرت الجبال فكانت سرابا (20) أشد نتنا ن الجيف، وبعضهم ملبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم، فأما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس. وأما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت. وأما المنكسون على وجوههم فأكلة الربا، وأما العمى فالذين يجورون في الحكم، وأما الصم والبكم فالمعجبون بأعمالهم، وأما الذين يمضغون ألسنتهم فالعلماء والقصاص الذين يخالف قولهم أعمالهم، وأما الذين قطعت أيديهم وأرجلهم فهم الذين يؤذون الجيران وأما المصلبون على جذوع من النار فالسعاة بالناس إلى السلطان، وأما الذين هم أشد نتنا من الجيف فالذين يتبعون الشهوات واللذات ومنعوا حق الله تعالى من أموالهم، وأما الذين يلبسون الجباب فأهل الكبر والفخر والخيلاء.
(وثالثها) قوله تعالى (وفتحت السماء فكانت أبوابا).
قرأ عاصم وحمزة والكسائي فتحت خفيفة والباقون بالتثقيل والمعنى كثرت أبوابها المفتحة لنزول الملائكة قال القاضي وهذا الفتح هو معنى قوله (إذا السماء انشقت، وإذا السماء انفطرت) إذ الفتح والتشقق والتفطر تتقارب، وأقول هذا ليس بقوى لان المفهوم من فتح الباب غير المفهوم نم التشقق والتفطر، فربما كانت السماء أبوابا، ثم تفتح تلك الأبواب مع أنه لا يحصل في جرم السماء تشقق ولا تقطر، بل الدلائل السمعية دلت على أن عند حصول فتح هذه الأبواب يحصل التشقق والتفطر والفناء بالكلية، فان قيل قوله (وفتحت السماء فكانت أبوابا) يفيد أن السماء بكليتها تصيرا أبوابا، فكيف يعقل ذلك؟ قلنا فيه وجوه: (أحدها) أن تلك الأبواب لما كثرت جدا صارت كأنها ليست إلا أبوابا مفتحة كقوله (وفجرنا الأرض عيونا) أي كأن كلها صارت عيونا تتفجر (وثانيها) قال الواحدي هذا من باب تقدير حذف المضاف، والتقدير فكانت ذات أبواب (وثالثها) أن الضمير في قوله (فكانت أبوابا) عائد إلى مضمر والتقدير فكانت تلك المواضع المفتوحة أبوابا لنزول الملائكة، كما قال تعالى (وجاء ربك والملك صفا صفا).
(ورابعها) قوله تعالى (وسيرت الجبال فكانت سرابا).
اعلم أن الله تعالى ذكر في مواضع من كتابه أحوال هذه الجبال على وجوه مختلفة، ويمكن الجمع بينها على الوجه الذي نقوله، وهو أن أول أحوالها الاندكاك وهو قوله (وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة).
(والحالة الثانية لها) أن تصير (كالعهن المنفوش) وذكر الله تعالى ذلك في قوله (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث، وتكون الجبال كالعهن المنفوش) وقوله (يوم تكون السماء كالمهل، ويكون الجبال كالعهن).
(والحالة الثالثة) أن تصير كالهباء وذلك أن تتقطع وتتبدد بعد أن كانت كالعهن وهو قوله