والغرض منه أن من كان أصله (من) مثل هذا الشيء الحقير، فالنكير والتجبر لا يكون لائقا به. ثم قال: * (فقدره) * وفيه وجوه: أحدها قال الفراء: قدره أطوارا نطفة ثم علقة إلى آخر خلقه وذكرا أو أنثى وسعيدا أو شقيا وثانيها: قال الزجاج: المعنى قدره على الاستواء كما قال: * (أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا) * (الكهف: 37)، وثالثها: يحتمل أن يكون المراد وقدر كل عضو في الكمية والكيفية بالقدر اللائق بمصلحته، ونظيره قوله: * (وخلق كل شيء فقدره تقديرا) * (الفرقان: 2).
* (ثم السبيل يسره) *.
وأما المرتبة الثانية: وهي المرتبة المتوسطة فهي قوله تعالى: * (ثم السبيل يسره) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: نصب السبيل بإضمار يسره، وفسره بيسره.
المسألة الثانية: ذكروا في تفسيره أقوالا أحدها: قال بعضهم: المراد تسهيل خروجه من بطن أمه، قالوا: إنه كان رأس المولود في بطن أمه من فوق ورجلاه من تحت، فإذا جاء وقت الخروج انقلب، فمن الذي أعطاه ذلك الإلهام إلا الله، ومما يؤكد هذا التأويل أن خروجه حيا من ذلك المنفذ الضيق من أعجب العجائب وثانيها: قال أبو مسلم: المراد من هذه الآية، هو المراد من قوله: * (وهديناه النجدين) * (البلد: 10) فهو يتناول التمييز بين كل خير وشر يتعلق بالدنيا، وبين كل خير وشر يتعلق بالدين أي جعلناه متمكنا من سلوك سبيل الخير والشر، والتيسير يدخل فيه الإقدار والتعريف والعقل وبعثة الأنبياء، وإنزال الكتب وثالثها: أن هذا مخصوص بأمر الدين، لأن لفظ السبيل مشعر بأن المقصود أحوال الدنيا (لا) أمور تحصل في الآخرة.
قوله تعالى * (ثم أماته فأقبره * ثم إذا شآء أنشره * كلا لما يقض مآ أمره * فلينظر الإنسان إلى طعامه * ط * (أنا صببنا المآء صبا * ثم شققنا الارض شقا * فأنبتنا فيها حبا * وعنبا وقضبا * وزيتونا ونخلا * وحدآئق غلبا * وفاكهة وأبا * متاعا لكم ولانعامكم * فإذا جآءت الصآخة * يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه * وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة * ووجوه يومئذ عليها غبرة * ترهقها قترة * أولئك هم الكفرة الفجرة) *.
وأما المرتبة الثانية: وهي المرتبة الأخيرة، فهي قوله تعالى: * (ثم أماته فأقبره، ثم إذا شاء أنشره) *.
واعلم أن هذه المرتبة الثالثة مشتملة أيضا على ثلاث مراتب، الإماتة، والإقبار، والإنشار، أما الإماتة فقد ذكرنا منافعها في هذا الكتاب، ولا شك أنها هي الواسطة بين حال التكليف والمجازاة، وأما الإقبار فقال الفراء: جعله الله مقبورا ولم يجعله ممن يلقى للطير والسباع، لأن القبر مما أكرم به المسلم قال: ولم يقل فقبره، لأن القابر هو الدافن بيده، والمقبر هو الله تعالى، يقال قبر الميت إذا دفنه وأقبر الميت، إذا أمر غيره بأن يجعله في القبر، والعرب تقول: بترت ذنب البعير، والله أبتره وعضبت قرن الثور، والله أعضبه، وطردت فلانا عني، والله أطرده. أي صيره طريدا، وقوله تعالى: * (ثم إذا شاء أنشره) * المراد منه الإحياء (و) البعث، وإنما قال: إذا شاء إشعارا بأن وقته غير معلوم لنا، فتقديمه وتأخيره موكول إلى مشيئة الله تعالى، وأما سائر الأحوال