المسألة الأولى: احتج الجبائي بهذه الآية على أنه تعالى لا يجوز أن يكون خالقا لأعمال العباد قال لأنها مشتملة على الكفر والفسق وكلها أباطيل. فلما بين تعالى أنه ما خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا دل هذا على أنه تعالى لم يخلق أعمال العباد. ومثله قوله تعالى: * (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق) * ( الحجر: 85) وعند المجبرة أنه خلق الكافر لأجل أن يكفر والكفر باطل، وقد خلق الباطل، ثم أكد تعالى ذلك بأن قال: * (ذلك ظن الذين كفروا) * أي كل من قال بهذا القول فهو كافر، فهذا تصريح بأن مذهب المجبرة عين الكفر، واحتج أصحابنا رحمهم الله بأن هذه الآية تدل على كونه تعالى خالقا لأعمال العباد فقالوا هذه الآية تدل على كونه تعالى خالقا لكل ما بين السماوات والأرض، وأعمال العباد حاصلة بين السماء والأرض، فوجب أن يكون الله تعالى خالقا لها.
المسألة الثانية: هذه الآية دالة على صحة القول بالحشر والنشر والقيامة، وذلك لأنه تعالى خلق الخلق في هذا العالم، فإما أن يقال إنه خلقهم للإضرار أو للإنفاع أو لا للإنفاع أو للإضرار والأول باطل لأن ذلك لا يليق بالرحيم الكريم، والثالث أيضا باطل لأن هذه الحالة حاصلة ين كانوا معدومين، فلم يبق إلا أن يقال إنه خلقهم للإنفاع، فنقول وذلك الإنفاع، إما أن يكون في حياة الدنيا أو في حياة الآخرة، والأول باطل لأن منافع الدنيا قليلة ومضارها كثيرة، وتحمل المضار الكثيرة للمنفعة القليلة لا يليق بالحكمة، ولما بطل هذا القسم ثبت القول بوجود حياة أخرى بعد هذه الحياة الدنيوية، وذلك هو القول بالحشر والنشر والقيامة، واعلم أن هذا الدليل يمكن تقريره من وجوه كثيرة، وقد لخصناها في أول سورة يونس بالاستقصاء، فلا سبيل إلى التكرير فثبت بما ذكرا أنه تعالى ما خلق السماء والأرض وما بينهما باطلا وإذا لم يكن خلقهما باطلا كان القول بالحشر والنشر لازما، وأن كل من أنكر القول بالحشر والنشر كان شاكا في حكمة الله في خلق السماء والأرض، وهذا هو المراد من قوله: * (ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار) * ولما بين الله تعالى على سبيل الإجمال أن إنكار الحشر والنشر يوجب الشك في حكمة الله تعالى بين ذلك على سبيل التفصيل، فقال: * (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) * وتقريره أنا نرى في الدنيا من أطاع الله واحترز عن معصيته في الفقر والزمانة وأنواع البلاء، ونرى الكفرة والفساق في الراحة والغبطة، فلو لم يكن حشر ونشر ومعاد فحينئذ يكون حال المطيع أدون من حال العاصي، وذلك لا يليق بحكمة الحكيم الرحيم، وإذا كان ذلك قادحا في الحكمة، ثبت أن إنكار الحشر والنشر يوجب إنكار حكمة الله.
ثم قال تعالى: * (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قالت المعتزلة دلت الآية على أنه تعالى إنما أنزل هذا القرآن لأجل الخير والرحمة والهداية، وهذا يفيد أمرين أحدهما: أن أفعال الله معللة برعاية المصالح والثاني: أنه تعالى أراد الإيمان والخير والطاعة من الكل بخلاف قول من يقول إنه أراد الكفر من الكافر.