هو من حين العصر إلى آخر النهار عرض الخيل عليه لينظر إليها ويقف على كيفية أحوالها، والصافنات الجياد الخيل وصفت بوصفين أولهما: الصافنات، قال صاحب " الصحاح ": الصافن الذي يصفن قدميه، وفي الحديث " كنا إذا صلينا خلفه فرفع رأسه من الركوع قمنا صفونا " أي قمنا صافنين أقدامنا، وأقول على كلا التقديرين فالصفون صفة دالة على فضيلة الفرس والصفة الثانية: للخيل في هذه الآية الجياد، قال المبرد: والجياد جمع جواد وهو الشديد الجري، كما أن الجواد من الناس هو السريع البذل، فالمقصود وصفها بالفضيلة والكمال حالتي وقوفها وحركتها. أما حال وقوفها فوصفها بالصفون، وأما حال حركتها فوصفها بالجودة، يعني أنها إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة في مواقفها على أحسن الأشكال، فإذا جرت كانت سراعا في جريها، فإذا طلبت لحقت، وإذا طلبت لم تلحق، ثم قال تعالى: * (فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي) * وفي تفسير هذه اللفظة وجوه الأول: أن يضمن أحببت معنى فعل يتعدى بعن، كأنه قيل أنبت حب الخير عن ذكر ربي والثاني: أن أحببت بمعنى ألزمت، والمعنى أني ألزمت حب الخيل عن ذكر ربي، أي عن كتاب ربي وهو التوراة، لأن ارتباط الخيل كما أنه في القرآن ممدوح فكذلك في التوراة ممدوح والثالث: أن الإنسان قد يحب شيئا لكنه يحب أن لا يحبه كالمريض الذي يشتهي ما يزيد في مرضه، والأب الذي يحب ولده الردئ، وأما من أحب شيئا، وأحب أن يحبه كان ذلك غاية المحبة فقوله أحببت حب الخير بمعنى أحببت حبي لهذه الخيل.
ثم قال: * (عن ذكر ربي) * بمعنى أن هذه المحبة الشديدة إنما حصلت عن ذكر الله وأمره لا عن الشهوة والهوى، وهذا الوجه أظهر الوجوه.
ثم قال تعالى: * (حتى توارت) * أقول الضمير في قوله: * (حتى توارت) *، وفي قوله: * (ردوها) * يحتمل أن يكون كل واحد منهما عائدا إلى الشمس، لأنه جرى ذلك ماله تعلق بها وهو العشي ويحتمل أن يكون كل واحد منهما عائدا إلى الصافنات، ويحتمل أن يكون الأول متعلقا بالشمس والثاني بالصافنات، ويحتمل أن يكون بالعكس من ذلك، فهذه احتمالات أربعة لا مزيد عليها فالأول: أن يعود الضميران معاني إلى الصافنات، كأنه قال حتى توارت الصافنات بالحجاب ردوا الصافنات علي، والاحتمال الثاني: أن يكون الضميران معا عائدين إلى الشمس كأنه قال حتى توارت الشمس بالحجاب ردوا الشمس، وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما اشتغل بالخيل فاتته صلاة العصر، فسأل الله أن يرد الشمس فقوله: * (ردوها على) * إشارة إلى طلب رد الشمس، وهذا الاحتمال عندي بعيد والذي يدل عليه وجوه الأول: أن الصافنات مذكورة تصريحا، والشمس غير مذكورة وعود الضمير إلى المذكور أولى من عوده إلى المقدر الثاني: أنه قال: * (إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب) * وظاهر هذا اللفظ يدل على أن سليمان عليه السلام كان يقول إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي. وكان يعيد هذه الكلمات إلى أن