الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) * (غافر: 60) في حقائق الدعاء مذكور في سورة البقرة في تفسير قوله: * (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) * (البقرة: 186) والله أعلم.
المسألة الثانية: في تقرير شرائط الدعاء.
اعلم أن المقصود من الدعاء أن يصير العبد مشاهدا لحاجة نفسه ولعجز نفسه ومشاهدا لكون مولاه موصوفا بكمال العلم والقدرة والرحمة، فكل هذه المعاني دخلت تحت قوله: * (ادعوا ربكم تضرعا) * ثم إذا حصلت هذه الأحوال على سبيل الخلوص، فلا بد من صونها عن الرياء المبطل لحقيقة الإخلاص، وهو المراد من قوله تعالى: * (وخفية) * والمقصود من ذكر التضرع تحقيق الحالة الأصلية المطلوبة من الدعاء والمقصود من ذكر الإخفاء صون ذلك الإخلاص عن شوائب الرياء، وإذا عرفت هذا المعنى ظهر لك أن قوله سبحانه: * (تضرعا وخفية) * مشتمل على كل ما يراد تحقيقه وتحصيله في شرائط الدعاء، وأنه لا يزيد عليه البتة بوجه من الوجوه، وأما تفصيل الكلام في تلك الشرائط، فقد بالغ في شرحها الشيخ سليمان الحليمي رحمة الله عليه في كتاب المنهاج فليطلب من هناك.
المسألة الثالثة: " التضرع " التذلل والتخشع، وهو إظهار ذل النفس من قولهم: ضرع فلان لفلان، وتضرع له إذا أظهر الذل له في معرض السؤال " والخفية " ضد العلانية. يقال: أخفيت الشيء إذا سترته، ويقال: * (خفية) * أيضا بالكسر، وقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر عنه * (خفية) * بكسر الخاء ههنا وفي الأنعام، والباقون بالضم، وهما لغتان:
واعلم أن الإخفاء معتبر في الدعاء، ويدل على وجوه: الأول: هذه الآية فإنها تدل على أنه تعالى أمر بالدعاء مقرونا بالإخفاء، وظاهر الأمر للوجوب، فإن لم يحصل الوجوب، فلا أقل من كونه ندبا.
ثم قال تعالى بعده: * (إنه لا يحب المعتدين) * والأظهر أن المراد أنه لا يحب المعتدين في ترك هذين الأمرين المذكورين، وهما التضرع والإخفاء، فإن الله لا يحبه ومحبة الله تعالى عبارة عن الثواب، فكان المعنى أن من ترك في الدعاء التضرع والإخفاء، فإن الله لا يثيبه البتة، ولا يحسن إليه، ومن كان كذلك كان من أهل العقاب لا محالة، فظهر أن قوله تعالى: * (إنه لا يحب المعتدين) * كالتهديد الشديد على ترك التضرع والإخفاء في الدعاء.
الحجة الثانية: أنه تعالى أثنى على زكريا فقال: * (إذ نادى ربه نداء خفيا) * (مريم: 3) أي أخفاه عن العباد وأخلصه لله وانقطع به إليه.