جميل أياديه عندهم وكثرة صفحه عنهم وعفوه عن عظيم إجرامهم واحتجاجا لنبيه محمد (ص) بأنه له نبي مبعوث ورسول مرسل أن كانت هذه الانباء التي أنبأهم بها كانت من خفي علومهم ومكنونها التي لا يعلمها إلا أحبارهم وعلماؤهم دون غيرهم من اليهود فضلا فأطلع الله على ذلك نبيه محمدا (ص) وسلم ليقرر عندهم صدقه ويقطع بذلك حجتهم. يقول تعالى ذكره: وقالت اليهود من بين إسرائيل يد الله مغلولة يعنون: أن خير الله ممسك، وعطاءه محبوس عن الاتساع عليهم، كما قال تعالى ذكره في تأديب نبيه (ص):
ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط. وإنما وصف تعالى ذكره اليد بذلك، والمعنى: العطاء، لان عطاء الناس وبذل معروفهم الغالب بأيديهم، فجرى استعمال الناس في وصف بعضهم بعضا إذا وصفوه بجود وكرم أو ببخل وشح وضيق، بإضافة ما كان من ذلك من صفة الموصوف إلى يديه، كما قال الأعشى في مدح رجل:
يداك يدا مجد فكف مفيدة * وكف إذا ما ضن بالزاد تنفق فأضاف ما كان صفة صاحب اليد من إنفاق وإفادة إلى اليد ومثل ذلك من كلام العرب في أشعارها وأمثالها أكثر من أن يحصى. فخاطبهم الله بما يتعارفونه، ويتحاورونه بينهم في كلامهم، فقال: وقالت اليهود يد الله مغلولة يعني بذلك أنهم قالوا: إن الله يبخل علينا ويمنعنا فضله فلا يفضل، كالمغلولة يده الذي لا يقدر أن يبسطها بعطاء ولا بذل معروف. تعالى الله عما قال أعداء الله فقال الله مكذبهم ومخبرهم بسخطه عليهم: غلت أيديهم يقول: أمسكت أيديهم عن الخيرات، وقبضت عن الانبساط بالعطيات، ولعنوا بما قالوا، وأبعدوا من رحمة الله وفضله بالذي قالوا من الكفر وافتروا على الله ووصفوه به من الكذب، والإفك. بل يداه مبسوطتان يقول: بل يداه مبسوطتان بالبذل والاعطاء وأرزاق عباده وأقوات خلقه، غير مغلولتين ولا مقبوضتين. ينفق كيف يشاء يقول:
يعطى هذا ويمنع هذا فيقتر عليه.