استقباحهم ذلك في الكلام قد اختاروا القراءة بها، وإعمال وجعل في من وهي محذوفة مع من ولو كنا نستجيز مخالفة الجماعة في شئ مما جاءت به مجمعة عليه، لاخترنا القراءة بغير هاتين القراءتين، غير أن ما جاء به المسلمون مستفيضا، فهم لا يتناكرونه، فلا نستجيز الخروج منه إلى غيره فلذلك لم نستجز القراءة بخلاف إحدى القراءتين اللتين ذكرنا أنهم لم يعدوهما.
وإذ كانت القراءة عندنا ما ذكرنا، فتأويل الآية: قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله: من لعنه، وغضب عليه، وجعل منهم القردة والخنازير، ومن عبد الطاغوت. وقد بينا معنى الطاغوت فيما مضى بشواهده من الروايات وغيرها، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا.
وأما قوله: أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل فإنه يعني بقوله: أولئك:
هؤلاء الذين ذكرهم تعالى ذكره، وهم الذين وصف صفتهم، فقال: من لعنه الله، وغضب عليه، وجعل منهم القردة والخنازير، وعبد الطاغوت وكل ذلك صفة اليهود من بني إسرائيل. يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه صفتهم شر مكانا في عاجل الدنيا والآخرة عند الله ممن نقمتم عليهم يا معشر اليهود إيمانهم بالله وبما أنزل إليهم من عند الله من الكتاب وبما أنزل إلى من قبلهم من الأنبياء، وأضل عن سواء السبيل يقول تعالى ذكره: وأنتم مع ذلك أيها اليهود، أشد أخذا على غير الطريق القويم، وأجور عن سبيل الرشد والقصد منهم. وهذا من لحن الكلام، وذلك أن الله تعالى ذكره إنما قصد بهذا الخبر إخبار اليهود الذين وصف صفتهم في الآيات قبل هذه بقبيح فعالهم وذميم أخلاقهم واستيجابهم سخطه بكثرة ذنوبهم ومعاصيهم، حتى مسخ بعضهم قردة وبعضهم خنازير، خطابا منه لهم بذلك تعريضا بالجميل من الخطاب، ولحن لهم بما عرفوا معناه من الكلام بأحسن اللحن، وعلم نبيه (ص) من الأدب أحسنه، فقال له: قل لهم يا محمد، أهؤلاء المؤمنون بالله وبكتبه الذين تستهزءون منهم شر أم من لعنه الله؟ وهو يعني المقول ذلك لهم. القول في تأويل قوله تعالى: *