قالوا: فإن ظن ظان أن النعمتين بمعنى النعم الكثيرة، فذلك منه خطأ وذلك أن العرب قد تخرج الجميع بلفظ الواحد لأداء الواحد عن جميع جنسه، وذلك كقول الله تعالى ذكره: والعصر إن الانسان لفي خسر، وكقوله: لقد خلقنا الانسان، وقوله:
وكان الكافر على ربه ظهيرا. قال: فلم يرد بالإنسان والكافر في هذه الأماكن انسان بعينه، ولا كافر مشار إليه حاضر، بل عني به جميع الانس وجميع الكفار، ولكن الواحد أدى عن جنسه كما تقول العرب: ما أكثر الدرهم في أيدي الناس، وكذلك قوله: وكان الكافر معناه: وكان الذين كفروا. قالوا: فأما إذا ثني الاسم، فلا يؤدى عن الجنس، ولا يؤدى إلا عن اثنين بأعيانهما دون الجميع ودون غيرهما. قالوا: وخطأ في كلام العرب أن يقال: ما أكثر الدرهمين في أيدي الناس بمعنى: ما أكثر الدراهم في أيديهم. قالوا: وذلك أن الدرهم إذا ثني لا يؤدى في كلامها إلا عن اثنين بأعيانهما. قالوا: وغير محال: ما أكثر الدرهم في أيدي الناس وما أكثر الدراهم في أيديهم لان الواحد يؤدي عن الجميع.
قالوا: ففي قول الله تعالى: بل يداه مبسوطتان مع إعلامه عباده أن نعمه لا تحصى، ومع ما وصفنا من أنه غير معقول في كلام العرب أن اثنين يؤديان عن الجميع، ما ينبئ عن خطأ قول من قال: معنى اليد في هذا الموضع: النعمة، وصحة قول من قال: إن يد الله هي له صفة. قالوا: وبذلك تظاهرت الاخبار عن رسول الله (ص)، وقال به العلماء وأهل التأويل.
القول في تأويل قوله تعالى: وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): إن هذا الذي أطلعناك عليه من خفي أمور هؤلاء اليهود مما لا يعلمه إلا علماؤهم وأحبارهم، احتجاحا عليهم لصحة نبوتك، وقطعا لعذر قائل منهم أن يقول: ما جاءنا من بشير ولا نذير، ليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا، يعني بالطغيان: الغلو في إنكار ما قد علموا صحته من نبوة محمد (ص) والتمادي في ذلك. وكفرا يقول: ويزيدهم مع غلوهم في إنكار ذلك جحودهم عظمة الله ووصفهم إياه بغير صفته، بأن ينسبوه إلى البخل، ويقولوا: يد الله مغلولة. وإنما