يقول جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): قل لهم: ليس الامر كما زعمتم أنكم أبناء الله وأحباؤه بل أنتم بشر ممن خلق، يقول: خلق من بني آدم، خلقكم الله مثل سائر بني آدم، إن أحسنتم جوزيتم بإحسانكم كما سائر بني آدم مجزيون بإحسانهم، وإن أسأتم جوزيتم بإساءتكم كما غيركم مجزى بها، ليس لكم عند الله إلا ما لغيركم من خلقه، فإنه يغفر لمن يشاء من أهل الايمان به ذنوبه، فيصفح عنه بفضله، ويسترها عليه برحمته، فلا يعاقبه بها.
وقد بينا معنى المغفرة في موضع غير هذا بشواهده، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. ويعذب من يشاء يقول: ويعدل على من يشاء من خلقه، فيعاقبه على ذنوبه، ويفضحه بها على رؤوس الاشهاد، فلا يسترها عليه، وإنما هذا من الله عز وجل وعيد لهؤلاء اليهود والنصارى، المتكلين على منازل سلفهم الخيار عند الله، الذين فضلهم الله بطاعتهم إياه، واجتنابهم معصيته، لمسارعتهم إلى رضاه، واصطبارهم على ما نابهم فيه. يقول لهم: لا تغتروا بمكان أولئك مني، ومنازلهم عندي، فإنهم إنما نالوا مني بالطاعة لي، وإيثار رضاي على محابهم، لا بالأماني، فجدوا في طاعتي، وانتهوا إلى أمري، وانزجروا عما نهيتهم عنه، فإني إنما أغفر ذنوب من أشاء أن أغفر ذنوبه من أهل طاعتي، وأعذب من أشاء تعذيبه من أهل معصيتي، لا لمن قربت زلفة آبائه مني، وهو لي عدو ولأمري ونهيي مخالف. وكان السدي يقول في ذلك بما:
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: قوله: يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء يقول: يهدي منكم من يشاء في الدنيا فيغفر له، ويميت من يشاء منكم على كفره فيعذبه.
القول في تأويل قوله تعالى: ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير.
يقول: لله تدبير ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما، وتصريفه، وبيده أمره، وله ملكه، يصرفه كيف يشاء ويدبره كيف أحبه، لا شريك له في شئ منه ولا لاحد معه فيه ملك، فاعلموا أيها القائلون: نحن أبناء الله وأحباؤه، أنه إن عذبكم بذنوبكم، لم يكن لكم منه مانع ولا لكم عنه دافع لأنه لا نسب بين أحد وبينه فيحابيه لسبب ذلك، ولا لاحد في شئ ومرجعه. فاتقوا أيها المفترون عقابه إياكم على ذنوبكم بعد مرجعكم إليه، ولا تغتروا بالأماني وفضائل الآباء والأسلاف. القول في تأويل قوله تعالى: *