والصواب من القول في ذلك عندنا، أنهما قراءتان مختلفتان غير مختلفتي المعاني، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب الصواب في ذلك لاتفاق معنى القراءتين في أنه خبر عن الله بأنه يعلم عيسى الكتاب، وما ذكر أنه يعلمه، وهذا ابتداء خبر من الله عز وجل لمريم ما هو فاعل بالولد الذي بشرها به من الكرامة، ورفعة المنزلة والفضيلة، فقال: كذلك الله يخلق منك ولدا، من غير فحل ولا بعل، فيعلمه الكتاب، وهو الخط الذي يخطه بيده، والحكمة: وهي السنة التي نوحيها إليه في غير كتاب، والتوراة: وهي التوراة التي أنزلت على موسى، كانت فيهم من عهد موسى، والإنجيل: إنجيل عيسى، ولم يكن قبله، ولكن الله أخبر مريم قبل خلق عيسى أنه موحيه إليه، وإنما أخبرها بذلك، فسماه لها، لأنها قد كانت علمت فيما نزل من الكتب أن الله باعث نبيا يوحى إليه كتابا اسمه الإنجيل، فأخبرها الله عز وجل أن ذلك النبي (ص) الذي سمعت بصفته الذي وعد أنبياءه من قبل أنه منزل عليه الكتاب الذي يسمى إنجيلا، هو الولد الذي وهبه لها، وبشرها به.
وبنحو ما قلنا في ذلك، قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج:
ونعلمه الكتاب قال: بيده.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ونعلمه الكتاب والحكمة قال: الحكمة: السنة.
حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة، في قوله: ونعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل قال: الحكمة: السنة، * (والتوراة والإنجيل) * قال: كان عيسى يقرأ التوراة والإنجيل.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج:
ونعلمه الكتاب والحكمة قال: الحكمة: السنة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، قال: أخبرها - يعني: أخبر الله مريم ما يريد به - فقال: ونعلمه الكتاب والحكمة والتوراة التي كانت فيهم من عهد موسى * (والإنجيل) * كتابا آخر أحدثه إليه، لم يكن عندهم علمه إلا ذكره أنه كائن من الأنبياء قبله.