للتأويل، كما قد ذكرنا آنفا أنهم يؤنثون فعل الذكر للفظ، فكذلك يذكرون فعل المؤنث أيضا للفظ. واعتبروا ذلك فيما أرى بقراءة يذكر أنها قراءة عبد الله بن مسعود، وهو ما:
حدثني به المثنى، قال: ثنا إسحاق بن الحجاج، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد أن قراءة ابن مسعود: فناداه جبريل وهو قائم يصلي في المحراب.
وكذلك تأول قوله: * (فنادته الملائكة) * جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: * (فنادته الملائكة) * وهو جبريل - أو: قالت الملائكة، وهو جبريل - * (أن الله يبشرك بيحيى) *.
فإن قال قائل: وكيف جاز أن يقال على هذا التأويل: * (فنادته الملائكة) * والملائكة جمع لا واحد؟ قيل: ذلك جائز في كلام العرب بأن تخبر عن الواحد بمذهب الجمع، كما يقال في الكلام: خرج فلان على بغال البرد، وإنما ركب بغلا واحدا، وركب السفن، وإنما ركب سفينة واحدة، وكما يقال: ممن سمعت هذا الخبر؟ فيقال: من الناس، وإنما سمعه من رجل واحد، وقد قيل: إن منه قوله: * (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم) *، والقائل كان فيما ذكر واحدا، وقوله: * (وإذا مس الناس ضر) *، والناس بمعنى واحد، وذلك جائز عندهم فيما لم يقصد فيه قصد واحد.
وإنما الصواب من القول عندي في قراءة ذلك أنهما قراءتان معروفتان، أعني التاء والياء، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وذلك أنه لا اختلاف في معنى ذلك باختلاف القرائين، وهما جميعا فصيحتان عند العرب، وذلك أن الملائكة إن كان مرادا بها جبريل كما روي عن عبد الله فإن التأنيث في فعلها فصيح في كلام العرب للفظها إن تقدمها الفعل، وجائز فيه التذكير لمعناها. وإن كان مرادا بها جمع الملائكة فجائز في فعلها التأنيث، وهو من قبلها للفظها، وذلك أن العرب إذا قدمت على الكثير من الجماعة فعلها أنثته، فقالت: قالت النساء، وجائز التذكير في فعلها بناء على الواحد إذا تقدم فعله، فيقال: قال الرجال.