لبئس الفتى أن كنت أعور عاقرا * جبانا فما عذري لدى كل محضر وأما الكبر: فمصدر كبر فلان فهو يكبر كبرا. وقيل: بلغني الكبر، وقد قال في موضع آخر: * (وقد بلغت من الكبر) * لان ما بلغك فقد بلغته، وإنما معناه: قد كبرت، وهو كقول القائل: وقد بلغني الجهد بمعنى: أني في جهد.
فإن قال قائل: وكيف قال زكريا وهو نبي الله: * (رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر) * وقد بشرته الملائكة بما بشرته به، عن أمر الله إياها به؟ أشك في صدقهم؟ فذلك ما لا يجوز أن يوصف به أهل الايمان بالله، فكيف الأنبياء والمرسلون؟ أم كان ذلك منه استنكارا لقدرة ربه؟ فذلك أعظم في البلية! قيل: كان ذلك منه (ص) على غير ما ظننت، بل كان قيله ما قال من ذلك، كما:
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: لما سمع النداء - يعني زكريا لما سمع نداء الملائكة بالبشارة بيحيى - جاءه الشيطان فقال له:
يا زكريا إن الصوت الذي سمعت ليس هو من الله، إنما هو من الشيطان يسخر بك، ولو كان من الله أوحاه إليك، كما يوحي إليك في غيره من الامر! فشك مكانه، وقال: * (أنى يكون لي غلام) * ذكر، يقول: ومن أين * (وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر) *.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر، عن عكرمة، قال: فأتاه الشيطان، فأراد أن يكدر عليه نعمة ربه، فقال: هل تدري من ناداك؟
قال: نعم، ناداني ملائكة ربي، قال: بل ذلك الشيطان، لو كان هذا من ربك لأخفاه إليك كما أخفيت نداءك، فقال: * (رب اجعل لي آية) *.
فكان قوله ما قال من ذلك، ومراجعته ربه فيما راجع فيه بقوله: * (أنى يكون لي غلام) *، للوسوسة التي خالطت قلبه من الشيطان، حتى خيلت إليه أن النداء الذي سمعه