القول في تأويل قوله تعالى: * (وترزق من تشاء بغير حساب) *.
يعني بذلك جل ثناؤه: أنه يعطي من يشاء من خلقه، فيجود عليه بغير محاسبة منه لمن أعطاه، لأنه لا يخاف دخول انتقاص في خزائنه، ولا الفناء على ما بيده. كما:
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: * (وترزق من تشاء بغير حساب) * قال: يخرج الرزق من عنده بغير حساب، لا يخاف أن ينقص ما عنده تبارك وتعالى.
فتأويل الآية إذا: اللهم يا مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شئ قدير، دون من ادعى الملحدون أنه لهم إله ورب وعبدوه دونك، واتخذوه شريكا معك، أو أنه لك ولد وبيدك القدرة التي تفعل هذه الأشياء، وتقدر بها على كل شئ، تولج الليل في النهار، وتولج النهار في الليل، فتنقص من هذا وتزيد في هذا، وتنقص من هذا وتزيد في هذا، وتخرج من ميت حيا، ومن حي ميتا، وترزق من تشاء بغير حساب من خلقك، لا يقدر على ذلك أحد سواك، ولا يستطيعه غيرك كما:
حدثني ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: * (تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي) * أي بتلك القدرة، يعني بالقدرة التي تؤتي الملك بها من تشاء وتنزعه ممن تشاء، وترزق من تشاء بغير حساب، لا يقدر على ذلك غيرك ولا يصنعه إلا أنت. أي فإن كنت سلطت عيسى على الأشياء التي بها يزعمون أنه إله، من إحياء الموتى، وإبراء الاسقام، والخلق للطير من الطين، والخبر عن الغيوب لتجعله آية للناس، وتصديقا له في نبوته التي بعثته بها إلى قومه، فإن من سلطاني وقدرتي ما لم أعطه، كتمليك الملوك، وأمر النبوة ووضعها حيث شئت، وإيلاج الليل في النهار، والنهار في الليل، وإخراج الحي من الميت، والميت من الحي، ورزق من شئت من بر أو فاجر بغير حساب، فكل ذلك لم أسلط عيسى عليه، ولم أملكه إياه، فلم يكن لهم في ذلك عبرة وبينة، إذ لو كان إلها لكان ذلك كله إليه وهو في علمهم يهرب من الملوك، وينتقل منهم في البلاد من بلد إلى بلد.
القول في تأويل قوله تعالى:
* (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من