القول في تأويل قوله تعالى: * (وابتغاء تأويله) *.
اختلف أهل التأويل في معنى التأويل الذي عنى الله جل ثناؤه بقوله: * (وابتغاء تأويله) * فقال بعضهم معنى ذلك: الاجل الذي أرادت اليهود أن تعرفه من انقضاء مدة أمر محمد (ص) وأمر أمته من قبل الحروف المقطعة من حساب الجمل ك " ألم "، و " المص "، و " الر "، و " المر " وما أشبه ذلك من الآجال. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: أما قوله: * (وما يعلم تأويله إلا الله) * يعني تأويله يوم القيامة إلا الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: عواقب القرآن. وقالوا: إنما أرادوا أن يعلموا متى يجئ ناسخ الاحكام التي كان الله جل ثناؤه شرعها لأهل الاسلام قبل مجيئه، فنسخ ما قد كان شرعه قبل ذلك. ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: * (وابتغاء تأويله) * أرادوا أن يعلموا تأويل القرآن، وهو عواقبه، قال الله: * (وما يعلم تأويله إلا الله) * وتأويله: عواقبه، متى يأتي الناسخ منه فينسخ المنسوخ.
وقال آخرون: معنى ذلك: وابتغاء تأويل ما تشابه من آي القرآن يتأولونه - إذ كان ذا وجوه وتصاريف في التأويلات - على ما في قلوبهم من الزيغ، وما ركبوه من الضلالة. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: * (وابتغاء تأويله) * وذلك على ما ركبوا من الضلالة في قولهم، خلقنا وقضينا.
والقول الذي قاله ابن عباس من أن ابتغاء التأويل الذي طلبه القوم من المتشابه هو معرفة انقضاء المدة، ووقت قيام الساعة، والذي ذكرنا عن السدي من أنهم طلبوا وأرادوا معرفة وقت هو جاء قبل مجيئه أولى بالصواب، وإن كان السدي قد أغفل معنى ذلك من وجه صرفه إلى حصره على أن معناه: إن القوم طلبوا معرفة وقت مجئ الناسخ لما قد أحكم قبل ذلك.