فحسبنا! فأنزل الله عز وجل: * (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة) *. ثم إن الله جل ثناؤه أنزل: * (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم) *... الآية.
وقال آخرون: بل أنزلت هذه الآية في أبي ياسر بن أخطب، وأخيه حيي بن أخطب، والنفر الذين ناظروا رسول الله (ص) في قدر مدة أجله وأجل أمته، وأرادوا علم ذلك من قبل قوله: ألم، والمص، والمر، والر فقال الله جل ثناؤه فيهم: * (فأما الذين في قلوبهم زيغ) * يعني هؤلاء اليهود الذين قلوبهم مائلة عن الهدى والحق، * (فيتبعون ما تشابه منه) * يعني معاني هذه الحروف المقطعة المحتملة التصريف في الوجوه المختلفة التأويلات ابتغاء الفتنة. وقد ذكرنا الرواية بذلك فيما مضى قبل في أول السورة التي تذكر فيها البقرة.
وقال آخرون: بل عنى الله عز وجل بذلك كل مبتدع في دينه بدعة مخالفة لما ابتعث به رسوله محمدا (ص) بتأويل يتأوله من بعض آي القرآن المحتملة التأويلات، وإن كان الله قد أحكم بيان ذلك، إما في كتابه وإما على لسان رسوله. ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: * (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة) *. وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية: * (فأما الذين في قلوبهم زيغ) * قال: إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري من هم. ولعمري لقد كان في أهل بدر والحديبية الذين شهدوا مع رسول الله (ص) بيعة الرضوان من المهاجرين والأنصار، خبر لمن استخبر، وعبرة لمن استعبر، لمن كان يعقل أو يبصر. إن الخوارج خرجوا وأصحاب رسول الله (ص) يومئذ كثير بالمدينة والشام والعراق وأزواجه يومئذ أحياء، والله إن خرج منهم ذكر ولا أنثى حروريا قط، ولا رضوا الذي هم عليه ولا مالئوهم فيه، بل كانوا يحدثون بعيب رسول الله (ص) إياه ونعته الذي نعتهم به، وكانوا يبغضونهم بقلوبهم ويعادونهم بألسنتهم وتشتد والله عليهم أيديهم إذا لقوهم. ولعمري لو كان أمر الخوارج هدى لاجتمع، ولكنه كان ضلالا فتفرق، وكذلك الامر إذا كان من عند غير الله وجدت فيه اختلافا كثيرا، فقد ألاصوا هذا الامر