حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: * (ابتغاء الفتنة) * الشبهات، قال: هلكوا به.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: * (ابتغاء الفتنة) * قال: الشبهات، قال: والشبهات ما أهلكوا به.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: * (ابتغاء الفتنة) * أي اللبس.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: إرادة الشبهات واللبس.
فمعنى الكلام إذا: فأما الذين في قلوبهم ميل عن الحق وحيف عنه، فيتعبون من آي الكتاب ما تشابهت ألفاظه، واحتمل صرفه في وجوه التأويلات، باحتماله المعاني المختلفة إرادة اللبس على نفسه وعلى غيره، احتجاجا به على باطله الذي مال إليه قلبه دون الحق الذي أبانه الله فأوضحه بالمحكمات من آي كتابه.
وهذه الآية وإن كانت نزلت فيمن ذكرنا أنها نزلت فيه من أهل الشرك، فإنه معني بها كل مبتدع في دين الله بدعة، فمال قلبه إليها، تأويلا منه لبعض متشابه آي القرآن، ثم حاج به وجادل به أهل الحق، وعدل عن الواضح من أدلة آية المحكمات إرادة منه بذلك اللبس على أهل الحق من المؤمنين، وطلبا لعلم تأويل ما تشابه عليه من ذلك كائنا من كان، وأي أصناف البدعة كان من أهل النصرانية كان أو اليهودية أو المجوسية، أو كان سبئيا، أو حروريا، أو قدريا، أو جهميا، كالذي قال (ص): فإذا رأيتم الذين يجادلون به فهم الذين عنى الله فاحذروهم. وكما:
حدثني يونس، قال: أخبرنا سفيان، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس: وذكر عنده الخوارج، وما يلقون عند الفرار، فقال: يؤمنون بمحكمه، ويهلكون عند متشابهه. وقرأ ابن عباس: * (وما يعلم تأويله إلا الله) *... الآية.
وإنما قلنا: القول الذي ذكرنا أنه أولى التأويلين بقوله: * (ابتغاء الفتنة) * لان الذين نزلت فيهم هذه الآية كانوا أهل شرك، وإنما أرادوا بطلب تأويل ما طلبوا تأويله اللبس على المسلمين والاحتجاج به عليهم ليصدوهم عما هم عليه من الحق، فلا معنى لان يقال:
فعلوا ذلك إرادة الشرك، وهم قد كانوا مشركين.