علقمة أخو بكر بن وائل، أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدراسهم. وكان أبو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم، فكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه ومولوه وأخدموه، وبنوا له الكنائس، وبسطوا عليه الكرامات، لما يبلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينه. قال ابن إسحاق قال محمد بن جعفر بن الزبير:
قدموا على رسول الله (ص) المدينة، فدخلوا عليه في مسجده حين صلى العصر، عليهم ثياب الحبرات جبب وأردية في بلحرث بن كعب. قال: يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله (ص) يومئذ: ما رأينا بعدهم وفدا مثلهم. وقد حانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجد رسول الله (ص) فقال رسول الله (ص): دعوهم! فصلوا إلى المشرق. قال: وكانت تسمية الأربع عشر منهم الذين يؤول إليهم أمرهم: العاقب وهو عبد المسيح، والسيد وهو الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل، وأوس، والحارث، وزيد، وقيس، ويزيد، ونبيه، وخويلد بن عمرو، وخالد، وعبد الله، ويحنس، في ستين راكبا. فكلم رسول الله (ص) منهم أبو حارثة بن علقمة، والعاقب عبد المسيح، والأيهم السيد، وهم من النصرانية على دين الملك مع اختلاف من أمرهم يقولون: هو الله، ويقولون: هو ولد الله، ويقولون: هو ثالث ثلاثة، وكذلك قول النصرانية. فهم يحتجون في قولهم: هو الله، بأنه كان يحيي الموتى، ويبرئ الاسقام، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيكون طائرا، وذلك كله بإذن الله، ليجعله آية للناس. ويحتجون في قولهم: إنه ولد الله، أنهم يقولون: لم يكن له أب يعلم، وقد تكلم في المهد بشئ لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله. ويحتجون في قولهم: إنه ثالث ثلاثة، بقول الله عز وجل: فعلنا وأمرنا وخلقنا وقضينا، فيقولون: لو كان واحدا ما قال إلا فعلت وأمرت وقضيت وخلقت، ولكنه هو وعيسى ومريم. ففي كل ذلك من قولهم قد نزل القرآن، وذكر الله لنبيه (ص) فيه قولهم. فلما كلمه الحبران، قال لهما رسول الله (ص): أسلما! قالا:
قد أسلمنا. قال: إنكما لم تسلما، فأسلما! قالا: بلى قد أسلمنا قبلك. قال: كذبتما، يمنعكما من الاسلام دعاؤكما لله عز وجل ولدا، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير.
قالا: فمن أبوه يا محمد، فصمت رسول الله (ص) عنهما، فلم يجبهما، فأنزل الله في ذلك