من الأشياء لا معنى إلى الزيادة فيه، كان لا معنى للزيادة في الرضاع على الحولين ، وأن ما دون الحولين من الرضاع لما كان محرما، كان ما ورأه غير محرم. وإنما قلنا هو دلالة على أنه معني به كل مولود لأي وقت كان ولادة، لستة أشهر، أو سبعة، أو تسعة، لان الله تعالى ذكره عم بقوله: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) ولم يخصص به بعض المولودين دون بعض. وقد دللنا على فساد القول بالخصوص بغير بيان الله تعالى ذكره ذلك في كتابه، أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابنا (كتاب البيان عن أصول الاحكام) بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
فإن قال لنا قائل: فإن الله تعالى ذكره قد بين ذلك بقوله: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (1) فجعل ذلك حدا للمعنيين كليهما، فغير جائز أن يكون حمل ورضاع أكثر من الحد الذي حده الله تعال ذكره، فما نقص من مدة الحمل عن تسعة أشهر، فهو مزيد في مدة الرضاع، وما زيد في مدة الحمل نقص من مدة الرضاع، وغير جائز أن يجاوز بهما كليهما مدة ثلاثين شهرا، كما حده الله تعالى ذكره؟ قيل له: فقد يجب أن يكون مدة الحمل على هذه المقالة إن بلغت حولين كاملين، ألا يرضع المولود إلا ستة أشهر، وإن بلغت أربع سنين أن يبطل الرضاع فلا ترضع، لان الحمل قد استغرق الثلاثين شهرا وجاوز غايته. أو يزعم قائل هذه المقالة أن مدة الحمل لن تجاوز تسعة أشهر، فيخرج من قول جميع الحجة، ويكابر الموجود والمشاهد، وكفى بهما حجة على خطأ دعواه إن ادعى ذلك، فإلى أي الامرين لجأ قائل هذه المقالة وضح لذوي الفهم فساد قوله.
فإن قال لنا قائل: فما معنى قوله إن كان الامر على ما وصفت: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (1) وقد ذكرت آنفا أنه غير جائز أن يكون ما جاوز حد الله تعالى ذكره نظير ما دون حده في الحكم، وقد قلت: إن الحمل والفصال قد يجاوزان ثلاثين شهرا؟ قيل: إن الله تعالى ذكره لم يجعل قوله: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (1) حدا تعبد عبادة بأن لا يجاوزه كما جعل قوله: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) حدا لرضاع المولود التام الرضاع، وتعبد العباد بحمل والديه عليه عند اختلافهما فيه، وإرادة أحدهما الضرار به. وذلك أن الامر من الله تعالى ذكره إنما يكون فيما يكون للعباد السبيل إلى طاعته بفعله والمعصية بتركه، فأما ما لم يكن لهم إلى فعله، ولا إلى تركه سبيل فذلك مما لا يجوز الامر به ولا النهي عنه، ولا التعبد به فإذا كان ذلك