بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل) * (1) وأخبر تعالى ذكره أن الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين، وان الكافرين لا ينصر يومئذ بعضهم بعضا، فقال تعالى ذكره: * (وقفوهم إنهم مسؤولون ما لكم لا تناصرون) * (2) وأن الرجل منهم لا ينفعه نسيبه ولا ذو رحمه، وإن كان نسيبه لله وليا، فقال تعالى ذكره في ذلك: * (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) * (3) وأخبر تعالى ذكره أن أعمالهم تصير عليهم حسرات. وكل هذه المعاني أسباب يتسبب في الدنيا بها إلى مطالب، فقطع الله منافعها في الآخرة عن الكافرين به لأنها كانت بخلاف طاعته ورضاه، فهي منقطعة باهلها فلا خلال (4) بعضهم بعضا ينفعهم عند ورودهم على ربهم ولا عبادتهم أندادهم ولا طاعتهم شياطينهم، ولا دافعت عنهم أرحام فنصرتهم من انتقام الله منهم، ولا أغنت عنهم أعمالهم بل صارت عليهم حسرات، فكل أسباب الكفار منقطعة، فلا معنى أبلغ في تأويل قوله: * (وتقطعت بهم الأسباب) * من صفة الله، وذلك ما بينا من جميع أسبابهم دون بعضها على ما قلنا في ذلك. ومن ادعى أن المعنى بذلك خاص من الأسباب سئل عن البيان على دعواه من أصل لا منازع فيه، وعورض بقول مخالفه فيه، فلن يقول في شئ من ذلك قولا إلا ألزم في الآخرة مثله. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار) * يعني بقوله تعالى ذكره: وقال الذين اتبعوا وقال أتباع الرجال الذين كانوا اتخذوهم أندادا من دون الله يطيعونهم في معصية الله، ويعصون ربهم في طاعتهم، إذ يرون عذاب الله في الآخرة: لو أن لنا كرة يعني بالكرة: الرجعة إلى الدنيا، من قول القائل:
كررت على القوم أكر كرا، والكرة: المرة الواحدة، وذلك إذا حمل عليهم راجعا عليهم بعد الانصراف عنهم كما قال الأخطل: