الجاهلية يأتون البيوت من ظهورها ويرونه برا، فقال البر، ثم نعت البر، وأمر بأن يأتوا البيوت من أبوابها.
قال ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول: كانت هذه الآية في الأنصار يأتون البيوت من ظهورها يتبررون بذلك.
فتأويل الآية إذا: وليس البر أيها الناس بأن تأتوا البيوت في حال إحرامكم من ظهورها، ولكن البر من اتقى الله فخافه، وتجنب محارمه، وأطاعه بأداء فرائضه التي أمره بها، فأما إتيان البيوت من ظهورها فلا بر لله فيه، فأتوها من حيث شئتم من أبوابها وغير أبوابها، ما لم تعتقدوا تحريم إتيانها من أبوابها في حال من الأحوال، فإن ذلك غير جائز لكم اعتقاده، لأنه مما لم أحرمه عليكم.
القول في تأويل قوله تعالى: واتقوا الله لعلكم تفلحون.
يعني تعالى ذكره بذلك: واتقوا الله أيها الناس فاحذروه وارهبوه بطاعته فيما أمركم من فرائضه واجتناب ما نهاكم عنه لتفلحوا فتنجحوا في طلباتكم لديه وتدركوا به البقاء في جناته والخلود في نعيمه. وقد بينا معنى الفلاح فيما مضى قبل بما يدل عليه. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) * اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية، فقال بعضهم: هذه الآية هي أول آية نزلت في أمر المسلمين بقتال أهل الشرك. وقالوا: أمر فيها المسلمون بقتال من قاتلهم من المشركين، والكف عمن كف عنهم، ثم نسخت ببراءة. ذكر من قال ذلك:
2530 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعد، وابن أبي جعفر، عن أبي جعفر، عن الربيع في قوله: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين قال: هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة، فلما نزلت كان رسول الله (ص) يقاتل من يقاتله ويكف عمن كف عنه حتى نزلت براءة. ولم يذكر عبد الرحمن المدينة.