كتاب الله موجود بخلاف أهل التأويل، وهو ما وصفنا. فإن كان جائزا أن تكون البهائم وسائر خلق الله تلعن الذين يكتمون ما أنزل الله في كتابه من صفة محمد (ص) ونعته ونبوته، بعد علمهم به، وتلعن معهم جميع الظلمة، فغير جائز قطع الشهادة في أن الله عنى باللاعنين البهائم والهوام ودبيب الأرض، إلا بخبر للعذر قاطع، ولا خبر بذلك وظاهر كتاب الله الذي ذكرناه دال على خلافه. القول في تأويل قوله تعالى:
* (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم) * يعني تعالى ذكره بذلك أن الله واللاعنين يلعنون الكاتمين الناس ما علموا من أمر نبوة محمد (ص) وصفته ونعته في الكتاب الذي أنزله الله وبينه للناس، إلا من أناب من كتمانه ذلك منهم وراجع التوبة بالايمان بمحمد (ص)، والاقرار به وبنبوته، وتصديقه فيما جاء به من عند الله، وبيان ما أنزل الله في كتبه التي أنزل إلى أنبيائه من الامر باتباعه، وأصلح حال نفسه بالتقرب إلى الله من صالح الأعمال بما يرضيه عنه، وبين الذي علم من وحي الله الذي أنزله إلى أنبيائه وعهد إليهم في كتبه فلم يكتمه وأظهره فلم يخفه. فأولئك، يعني هؤلاء الذين فعلوا هذا الذي وصفت منهم، هم الذين أتوب عليهم، فأجعلهم من أهل الإياب إلى طاعتي والإنابة إلى مرضاتي.
ثم قال تعالى ذكره: وأنا التواب الرحيم يقول: وأنا الذي أرجع بقلوب عبيدي المنصرفة عني إلي، والرادها بعد إدبارها عن طاعتي إلى طلب محبتي، والرحيم بالمقبلين بعد إقبالهم إلي أتغمدهم مني بعفو وأصفح عن عظيم ما كانوا اجترموا فيما بيني وبينهم بفضل رحمتي لهم.
فإن قال قائل: وكيف يتاب على من تاب؟ وما وجه قوله: إلا الذين تابوا فأولئك أتوب عليهم وهل يكون تائب إلا وهو متوب عليه أو متوب عليه إلا وهو تائب؟ قيل:
ذلك مما لا يكون أحدهما إلا والآخر معه، فسواء قيل: إلا الذين تيب عليهم فتابوا، أو قيل: إلا الذين تابوا فإني أتوب عليهم وقد بينا وجه ذلك فيما جاء من الكلام هذا المجئ في نظيره فيما مضى من كتابنا هذا، فكرهنا إعادته في هذا الموضع. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
1979 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قوله: