وأولى الأقوال في ذلك بالصحة عندنا قول من قال: إن حاضري المسجد الحرام من هو حوله ممن بينه وبينه من المسافة ما لا تقصر إليه الصلوات لان حاضر الشئ في كلام العرب هو الشاهد له بنفسه. وإذا كان ذلك كذلك، وكان لا يستحق أن يسمى غائبا إلا من كان مسافرا شاخصا عن وطنه، وكان المسافر لا يكون مسافرا إلا بشخوصه عن وطنه إلى ما تقصر في مثله الصلاة، وكان من لم يكن كذلك لا يستحق اسم غائب عن وطنه ومنزله، كان كذلك من لم يكن من المسجد الحرام على ما تقصر إليه الصلاة غير مستحق أن يقال: هو من غير حاضريه إذ كان الغائب عنه هو من وصفنا صفته.
وإنما لم تكن المتعة لمن كان من حاضري المسجد الحرام من أجل أن التمتع إنما هو الاستمتاع بالاحلال من الاحرام بالعمرة إلى الحج مرتفقا في ترك العود إلى المنزل والوطن بالمقام بالحرم حتى ينشئ منه الاحرام بالحج، وكان المعتمر متى قضى عمرته في أشهر الحج ثم انصرف إلى وطنه، أو شخص عن الحرم إلى ما تقصر فيه الصلاة، ثم حج من عامه ذلك، بطل أن يكون مستمتعا لأنه لم يستمتع بالمرفق الذي جعل للمستمتع من ترك العود إلى الميقات والرجوع إلى الوطن بالمقام في الحرم، وكان المكي من حاضري المسجد الحرام لا يرتفق بذلك من أجل أنه متى قضى عمرته أقام في وطنه بالحرم، فهو غير مرتفق بشئ مما يرتفق به من لم يكن أهله من حاضري المسجد الحرام فيكون متمتعا بالاحلال من عمرته إلى حجه.
القول في تأويل قوله تعالى: واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب.
يعني بذلك جل اسمه: واتقوا الله بطاعته فيما ألزمكم من فرائضه وحدوده، واحذروا أن تعتدوا في ذلك وتتجاوزوا فيما بين لكم من مناسككم، فتستحلوا ما حرم فيها عليكم.
واعلموا: تيقنوا أنه تعالى ذكره شديد عقابه لمن عاقبه على ما انتهك من محارمه وركب من معاصيه. القول في تأويل قوله تعالى:
* (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) يعني جل ثناؤه بذلك: وقت الحج أشهر معلومات. والأشهر يا أولي الألباب مرفوعات بالحج، وإن كان له وقتا لا صفة ونعتا، إذ لم تكن محصورات بتعريف بإضافة إلى معرفة أو معهود،