وقد قال بعضهم: إن معنى قوله فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق أن أهل الكتب الأول اختلفوا، فكفر بعضهم بكتاب بعض، وهي كلها من عند الله، فهدى الله أهل الايمان بمحمد للتصديق بجميعها، وذلك قول، غير أن الأول أصح القولين، لان الله إنما أخبر باختلافهم في كتاب واحد. القول في تأويل قوله تعالى:
* (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) * وأما قوله: أم حسبتم كأنه استفهم بأم في ابتداء لم يتقدمه حرف استفهام لسبوق كلام هو به متصل، ولو لم يكن قبله كلام يكون به متصلا، وكان ابتداء لم يكن إلا بحرف من حروف الاستفهام لان قائلا لو كان قال مبتدئا كلاما لآخر: أم عندك أخوك؟
لكان قائلا ما لا معنى له ولكن لو قال: أنت رجل مدل بقوتك أم عندك أخوك ينصرك؟
كان مصيبا. وقد بينا بعض هذا المعنى فيما مضى من كتابنا هذا بما فيه الكفاية عن إعادته.
فمعنى الكلام: أم حسبتم أنكم أيها المؤمنون بالله ورسله تدخلون الجنة، ولم يصبكم مثل ما أصاب من قبلكم من أتباع الأنبياء والرسل من الشدائد والمحن والاختبار، فتبتلوا بما ابتلوا واختبروا به من البأساء وهو شدة الحاجة والفاقة والضراء، وهي العلل والأوصاب ولم تزلزلوا زلزالهم، يعني: ولم يصبهم من أعدائهم من الخوف والرعب شدة وجهد حتى يستبطئ القوم نصر الله إياهم، فيقولون: متى الله ناصرنا. ثم أخبرهم الله أن نصره منهم قريب، وأنه معليهم على عدوهم، ومظهرهم عليه، فنجز لهم ما وعدهم، وأعلى كلمتهم، وأطفأ نار حرب الذين كفروا.
وهذه الآية فيما يزعم أهل التأويل نزلت يوم الخندق، حين لقي المؤمنون ما لقوا من شدة الجهد، من خوف الأحزاب، وشدة أذى البرد، وضيق العيش الذي كانوا فيه يومئذ، يقول الله عز وجل للمؤمنين من أصحاب رسول الله (ص): يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها إلى قوله: وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا. ذكر من قال نزلت هذه الآية يوم الأحزاب: