وأخبر تعالى أن الوالدة والمولود له إن تعاسرا في الأجرة التي ترضع بها المرأة ولدها، أن أخرى سواها ترضعه، فلم يوجب عليها فرضا رضاع ولدها، فكان معلوما بذلك أن قوله:
والوالدات يرضعن أولادهن حولين دلالة على مبلغ غاية الرضاع التي متى اختلف الولدان في رضاع المولود بعدها، جعل حدا يفصل به بينهما، لا دلالة على أن فرضا على الوالدات رضاع أولادهن.
وأما قوله حولين فإنه يعني به سنتين، كما:
3907 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين سنتين.
* - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
وأصل الحول من قول القائل: حال هذا الشئ: إذا انتقل، ومنه قيل: تحول فلان من مكان كذا: إذا انتقل عنه.
فإن قال لنا قائل: وما معنى ذكر كاملين في قوله: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين بعد قوله يرضعن حولين وفي ذكر الحولين مستغنى عن ذكر الكاملين؟
إذ كان غير مشكل على سامع سمع قوله: والوالدات يرضعن أولادهن حولين ما يراد به، فما الوجه الذي من أجله زيد ذكر كاملين؟ قيل: إن العرب قد تقول: أقام فلان بمكان كذا حولين أو يومين أو شهرين، وإنما أقام به يوما وبعض آخر أو شهرا وبعض آخر، أو حولا وبعض آخر فقيل حولين كاملين ليعرف سامع ذلك أن الذي أريد به حولان تامان، لا حول وبعض آخر، وذلك كما قال الله تعالى ذكره: واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه.
ومعلوم أن المتعجل إنما يتعجل في يوم ونصف، فكذلك ذلك في اليوم الثالث من أيام التشريق، وأنه ليس منه شئ تام، ولكن العرب تفعل ذلك في الأوقات خاصة، فتقول:
اليوم يومان منذ لم أره، وإنما تعني بذلك يوما وبعض آخر، وقد توقع الفعل الذي تفعله في الساعة أو اللحظة على العام والزمان واليوم، فتقول زرته عام كذا، وقتل فلان فلانا زمان صفين، وإنما تفعل ذلك لأنها لا تقصد بذلك الخبر عن عدد الأيام والسنين، وإنما تعني