قال تعالى ذكره: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله) (1).
كما:
3928 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، وحدثني علي قال: ثنا زيد جميعا، عن سفيان: (لا تكلف نفس إلا وسعها) إلا ما أطاقت.
والوسع: الفعل من قول القائل: وسعني هذا الامر، فهو يسعني سعة، ويقال: هذا الذي أعطيتك وسعي، أي ما يتسع لي أن أعطيك فلا يضيق علي إعطاؤكه وأعطيتك من جهدي إذا أعطيته ما يجهدك فيضيق عليك إعطاؤه.
فمعنى قوله (لا تكلف نفس إلا وسعها) هو ما وصفت من أنها لا تكلف إلا ما يتسع لها بذل ما كلفت بذله، فلا يضيق عليها، ولا يجهدها، لا ما ظنه جهلة أهل القدر من أن معناه: لا تكلف نفس إلا ما قد أعطيت عليه القدرة من الطاعات، لان ذلك لو كان كما زعمت لكان قوله تعالى ذكره: (انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) (2) إذا كان دالا على أنهم غير مستطيعي السبيل إلى ما كلفوه واجبا أن يكون القوم في حال واحدة قد أعطوا الاستطاعة على ما منعوها عليه. وذلك من قائله إن قاله إحالة في كلامه، ودعوى باطل لا يخيل بطوله (3). وإذا كان بينا فساد هذا القول، فمعلوم أن الذي أخبر تعالى ذكره أنه كلف النفوس من وسعها غير الذي أخبر أنه كلفها مما لا تستطيع إليه السبيل.
القول في تأويل قوله تعالى: (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده).
اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأ عامة قرأ أهل الحجاز والكوفة والشام:
(لا تضار والدة بولدها) بفتح الراء بتأويل لا تضارر على وجه النهي وموضعه إذا قرئ كذلك جزم، غير أنه حرك، إذ ترك التضعيف بأخف الحركات وهو الفتح، ولو حرك إلى الكسر كان جائزا اتباعا لحركة لام الفعل حركة عينه، وإن شئت فلان الجزم إذا حرك حرك إلى الكسر. وقرأ ذلك بعض أهل الحجاز وبعض أهل البصرة: (لا تضار والدة بولدها)