ظاهره العموم، وباطنه الخصوص لان الذين قالوا لنبيهم: ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله كانوا في ديارهم وأوطانهم، وإنما كان أخرج من داره وولده من أسر وقهر منهم.
وأما قوله: فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم يقول: فلما فرض عليهم قتال عدوهم والجهاد في سبيله، تولوا إلا قليلا منهم يقول: أدبروا مولين عن القتال، وضيعوا ما سألوه نبيهم من فرض الجهاد. والقليل الذي استثناهم الله منهم، هم الذين عبروا النهر مع طالوت وسنذكر سبب تولي من تولى منهم وعبور من عبر منهم النهر بعد إن شاء الله إذا أتينا عليه.
يقول الله تعالى ذكره: والله عليم بالظالمين يعني: والله ذو علم بمن ظلم منهم نفسه، فأخلف الله ما وعده من نفسه وخالف أمر ربه فيما سأله ابتداء أن يوجبه عليه. وهذا من الله تعالى ذكره تقريع لليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله (ص) في تكذيبهم نبينا محمدا (ص) ومخالفتهم أمر ربهم. يقول الله تعالى ذكره لهم: إنكم يا معشر اليهود عصيتم الله وخالفتم أمره فيما سألتموه أن يفرضه عليكم ابتداء من غير أن يبتدأكم ربكم بفرض ما عصيتموه فيه، فأنتم بمعصيته فيما ابتدأكم به من إلزام فرضه أحرى. وفي هذا الكلام متروك قد استغني بذكر ما ذكر عما ترك منه وذلك أن معنى الكلام: قالوا: وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فسأل نبيهم ربهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه في سبيل الله. فبعث لهم ملكا، وكتب عليهم القتال فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم) * يعني تعالى ذكره بذلك: وقال للملا من بني إسرائيل نبيهم شمويل: إن الله قد أعطاكم ما سألتم، وبعث لكم طالوت ملكا. فلما قال لهم نبيهم شمويل ذلك، قالوا: أنى يكون لطالوت الملك علينا، وهو من سبط بنيامين بن يعقوب، وسبط بنيامين سبط لا ملك فيهم ولا نبوة، ونحن أحق بالملك منه، لأنا من سبط يهوذا بن يعقوب، ولم يؤت سعة من المال يعني: ولم يؤت طالوت كثيرا من المال، لأنه سقاء، وقيل كان دباغا.