الموت) فرارهم من أوطانهم، وانتقالهم من منازلهم إلى الموضع الذي أملوا بالمصير إليه السلامة، وبالموئل النجاة من المنية، حتى أتاهم أمر الله، فتركهم جميعا خمودا صرعى وفي الأرض هلكى، ونجا مما حل بهم الذين باشروا كرب الوباء وخالطوا بأنفسهم عظيم البلاء.
القول في تأويل قوله تعالى: (إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون).
يعني تعالى ذكره بذلك: أن الله لذو فضل ومن على خلقه بتبصيره إياهم سبيل الهدى وتحذيره لهم طرق الردي، وغير ذلك من نعمه التي ينعمها عليهم في دنياهم ودينهم وأنفسهم وأموالهم. كما أحياء الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت بعد إماتته إياهم وجعلهم لخلقه مثلا وعظة يعظمون بهم عبرة يعتبرون بهم. وليعلموا أن الأمور كلها بيده، فيستسلمون لقضائه، ويصرفون الرغبة كلها والرهبة إليه.
ثم أخبر تعالى ذكره أن أكثر من ينعم عليه من عباده بنعمه الجليلة ويمن عليه بمننه الجسيمة، يكفر به، ويصرف الرغبة والرهبة إلى غيره، ويتخذ إلها من دونه، كفرانا منه لنعمه التي توجب أصغرها عليه من الشكر ما يفدحه ومن الحمد ما يثقله، فقال تعالى ذكره:
(ولكن أكثر الناس لا يشكرون)، يقول: لا يشكرون نعمي التي أنعمتها عليهم وفضلي الذي تفضلت به عليهم، بعبادتهم غيري وصرفهم رغبتهم ورهبتهم إلى من دوني، ممن لا يملك لهم ضرا ولا نفعا، ولا يملك موتا ولا حياة ولا نشورا. القول في تأويل قوله تعالى:
(وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليهم (244)) يعني تعالى ذكره بذلك: (وقاتلوا) أيها المؤمنون (في سبيل الله) يعني في دينه الذي هداكم له، لا في طاعة الشيطان أعداء دينكم، الصادين عن سبيل ربكم، ولا تجبنوا عن لقائهم، ولا تقعدوا عن حربهم، فإن بيدي حياتكم وموتكم، ولا يمنعن أحدكم من لقائهم وقتالهم حذر الموت، وخوف المنية على نفسه بقتالهم، فيدعوه ذلك إلى التعريد (1) عنهم، والفرار منهم، فتذلوا ويأتيكم الموت الذي خفتموه في مأمنكم الذي وألتم (2)