وقد ذكرنا بعض ما كانوا في جاهليتهم يحرمونه من المطاعم، وهو الذي ندبهم إلى أكله ونهاهم عن اعتقاد تحريمه، إذ كان تحريمهم إياه في الجاهلية طاعة منهم للشيطان واتباعا لأهل الكفر منهم بالله من الآباء والأسلاف. ثم بين لهم تعالى ذكره ما حرم عليهم، وفصل لهم مفسرا. القول في تأويل قوله تعالى:
(انما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه ان الله غفور رحيم (173) يعني تعالى ذكره بذلك: لا تحرموا على أنفسكم ما لم أحرمه عليكم أيها المؤمنون بالله وبرسوله من البحائر والسوائب ونحو ذلك، بل كلوا ذلك فإني لم أحرم عليكم غير الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغيري.
ومعنى قول: (إنما حرم عليكم الميتة): ما حرم عليكم إلا الميتة: " وإنما ": حرف واحد، ولذلك نصبت الميتة والدم، وغير جائز في الميتة إذا جعلت " إنما " حرفا واحدا إلا النصب، ولو كانت " إنما " حرفين وكانت منفصلة من " إن " لكانت الميتة مرفوعة وما بعدها، وكان تأويل الكلام حينئذ: إن الذي حرم الله عليكم من المطاعم الميتة والدم ولحم الخنزير لا غير ذلك.
وقد ذكر عن بعض القراء أنه قرأ ذلك كذلك على هذا التأويل. ولست للقراءة به مستجيزا، وإن كان له في التأويل والعربية وجه مفهوم، لاتفاق الحجة من القراء على خلافه، فغير جائز لاحد الاعتراض عليهم فيما نقلوه مجمعين عليه، ولو قرئ في " حرم " بضم الحاء من " حرم " لكان في الميتة وجهان من الرفع: أحدهما من أن الفاعل غير مسمى، و " إنما " حرف واحد. والاخر " إن " و " ما " في معنى حرفين، و " حرم " من صلة " ما "، والميتة خبر " الذي " مرفوع على الخبر، ولست وإن كان لذلك أيضا وجه مستجيزا للقراءة به لما ذكرت.
وأما الميتة فإن القراء مختلفة في قراءتها، فقرأها بعضهم بالتخفيف ومعناه فيها التشديد، ولكنه يخففها كما يخفف القائلون: هو هين لين الهين اللين، كما قال الشاعر: