كذلك، وكان الحمل مما لا سبيل للنساء إلى تقصير مدته، ولا إلى إطالتها فيضعنه متى شئن ويتركن وضعه إذا شئن، كان معلوما أن قوله: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (1) إنما هو خبر من الله تعالى ذكره عن أن من خلفه من حملته وولدته وفصلته في ثلاثين شهرا، لا أمر بأن لا يتجاوز في مدة حمله وفصاله ثلاثون شهرا لما وصفنا، وكذلك قال ربنا تعالى ذكره في كتابه: (ووصينا الانسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (1).
فإن ظن ذو غباء، أن الله تعالى ذكره إذ وصف أن من خلقه من حملته أمه ووضعته وفصلته في ثلاثين شهرا، فواجب أن يكون جميع خلقه ذلك صفتهم، وأن ذلك دلالة على أن حمل كل عباده وفصاله ثلاثون شهرا، فقد يجب أن يكون كل عباده صفتهم أن يقولوا إذا بلغوا أشدهم وبلغوا أربعين سنة (رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه) (1) على ما وصف الله به الذي وصف في هذه الآية. وفي وجودنا من يستحكم كفره بالله وكفرانه نعم ربه عليه، وجرأته على والديه بالقتل والشتم وضروب المكاره عند استكماله الأربعين من سنيه وبلوغه أشده ما يعلم أنه لم يعن والله بهذه الآية صفة جميع عباده، بل يعلم أنه إنما وصف بها بعضا منهم دون بعض، وذلك ما لا ينكره ولا يدفعه أحد، لان من يولد من الناس لتسعة أشهر أكثر ممن يولد لأربع سنين ولسنتين، كما أن من يولد لتسعة أشهر أكثر ممن يولد لستة أشهر ولسبعة أشهر.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأ عامة أهل المدينة والعراق والشام: (لمن أراد أن يتم الرضاعة) بالياء في (يتم) ونصب (الرضاعة) بمعنى: لمن أراد من الآباء والأمهات أن يتم رضاع ولده، وقرأه بعض أهل الحجاز (لمن أراد أن تتم الرضاعة) بالتاء في (تتم)، ورفع (الرضاعة) بصفتها (2).
والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأ بالياء في (يتم) ونصب (الرضاعة)، لان الله تعالى ذكره قال (والوالدات يرضعن أولادهن) فكذلك هن يتممها إذا أردن هن والمولود له إتمامها، وأنها القراءة التي جاء بها النقل المستفيض الذي ثبتت به الحجة دون القراءة الأخرى. وقد حكي في الرضاعة سماعا من العرب كسر الراء التي فيها، وإن تكن