وأنكر قائلو هذه المقالة المعاني الأربعة التي قالها الآخرون.
وأما قوله: لا إله إلا هو فإنه خبر منه تعالى ذكره أنه لا رب للعالمين غيره، ولا يستوجب على العباد العبادة سواه، وأن كل ما سواه فهم خلقه، والواجب على جميعهم طاعته، والانقياد لامره، وترك عبادة ما سواه من الأنداد والآلهة وهجر الأوثان والأصنام، لان جميع ذلك خلقه وعلى جميعهم الدينونة له بالوحدانية والألوهة، ولا تنبغي الألوهة إلا له، إذ كان ما بهم من نعمة في الدنيا فمنه دون ما يعبدونه من الأوثان، ويشركون معه من الاشراك، وما يصيرون إليه من نعمة في الآخرة فمنه، وأن ما أشركوا معه من الاشراك لا يضر ولا ينفع في عاجل ولا في آجل، ولا في دنيا، ولا في آخرة. وهذا تنبيه من الله تعالى ذكره أهل الشرك به على ضلالهم، ودعاء منه لهم إلى الأوبة من كفرهم، والإنابة من شركهم. ثم عرفهم تعالى ذكره بالآية التي تتلوها موضع استدلال ذوي الألباب منهم على حقيقة ما نبههم عليه من توحيده وحججه الواضحة القاطعة عذرهم، فقال تعالى ذكره: أيها المشركون إن جهلتم أو شككتم في حقيقة ما أخبرتكم من الخبر من أن إلهكم إله واحد دون ما تدعون ألوهيته من الأنداد والأوثان، فتدبروا حججي وفكروا فيها، فإن من حججي:
خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وما أنزلت من السماء من ماء فأحييت به الأرض بعد موتها، وما بثثت فيها من كل دابة، والسحاب الذي سخرته بين السماء والأرض. فإن كان ما تعبدونه من الأوثان والآلهة والأنداد وسائر ما تشركون به إذا اجتمع جميعه فتظاهر أو انفرد بعضه دون بعض يقدر على أن يخلق نظير شئ من خلقي الذي سميت لكم، فلكم بعبادتكم ما تعبدون من دوني حينئذ عذر، وإلا فلا عذر لكم في اتخاذ إله سواي، ولا إله لكم ولما تعبدون غيري. فليتدبر أولو الألباب إيجاز الله احتجاجه على جميع أهل الكفر به والملحدين في توحيده في هذه الآية وفي التي بعدها بأوجز كلام وأبلغ حجة وألطف معنى يشرف بهم على معرفة فضل حكمة الله وبيانه. القول في تأويل قوله تعالى:
* (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيى به الأرض بعد موتها وبث فيها