فهو بمحاربتهم إياهم ومعاداتهم لهم لله مدافعون بباطلهم، ومغالبون بجهلهم، والله مدافعهم عن أوليائه وأهل طاعته والايمان به.
والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان قد قرأت بهما القراء وجاءت بهما جماعة الأمة، وليس في القراءة بأحد الحرفين إحالة معنى الآخر. وذلك أن من دافع غيره عن شئ، فمدافعه عنه دافع، ومتى امتنع المدفوع عن الاندفاع، فهو لمدافعه مدافع ولا شك أن جالوت وجنوده كانوا بقتالهم طالوت وجنوده، محاولين مغالبة حزب الله وجنده، وكان في محاولتهم ذلك محاولة مغالبة الله ودفاعه، عما قد تضمن لهم من النصرة، وذلك هو معنى مدافعة الله عن الذين دافع الله عنهم بمن قاتل جالوت وجنوده من أوليائه. فتبين إذا أن سواء قراءة من قرأ: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض وقراءة من قرأ: ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض في التأويل والمعنى. القول في تأويل قوله تعالى:
* (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين) * يعني تعالى ذكره بقوله: تلك آيات الله هذه الآيات التي اقتص الله فيها أمر الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، وأمر الملا من بني إسرائيل من بعد موسى الذين سألوا نبيهم أن يبعث لهم طالوت ملكا وما بعدها من الآيات إلى قوله: والله ذو فضل على العالمين. ويعني بقوله: آيات الله حججه وأعلامه وأدلته. يقول الله تعالى ذكره: فهذه الحجج التي أخبرتك بها يا محمد، وأعلمتك من قدرتي على إماتة من هرب من الموت في ساعة واحدة وهم ألوف، وإحيائي إياهم بعد ذلك، وتمليكي طالوت أمر بني إسرائيل، بعد إذ كان سقاء أو دباغا من غير أهل بيت المملكة، وسلبي ذلك إياه بمعصيته أمري، وصرفي ملكه إلى داود لطاعته إياي، ونصرتي أصحاب طالوت، مع قلة عددهم، وضعف شوكتهم على جالوت وجنوده، مع كثرة عددهم، وشدة بطشهم حجج على من جحد نعمتي، وخالف أمري، وكفر برسولي من أهل الكتابين التوراة والإنجيل، العالمين بما اقتصصت عليك من الانباء الخفية، التي يعلمون أنها من عندي لم تتخرصها ولم تتقولها أنت يا محمد، لأنك أمي، ولست ممن قرأ الكتب، فيلتبس عليهم أمرك، ويدعوا أنك قرأت ذلك فعلمته من بعض أسفارهم، ولكنها حججي عليهم أتلوها عليك يا محمد بالحق اليقين كما كان، لا زيادة فيه، ولا تحريف، ولا تغيير شئ منه عما كان. وإنك يا محمد لمن المرسلين يقول: إنك لمرسل متبع في طاعتي، وإيثار مرضاتي على