يرضعون حقوقهن بأولى منه بأن يكون معنيا به إذا سلمتم ذلك إلى المراضع سواهن ولا الغرائب من المولود بأولى أن يكن معنيات بذلك من الأمهات، إذ كان الله تعالى ذكره قد أوجب على أبي المولود لكل من استأجره لرضاع ولده من تسليم أجرتها إليها مثل الذي أوجب عليه من ذلك للأخرى، فلم يكن لنا أن نحيل ظاهر تنزيل إلى باطن ولا نقل عام إلى خاص إلا بحجة يجب التسليم لها فصح بذلك ما قلنا.
وأما معنى قوله: بالمعروف فإن معناه: بالاجمال والاحسان وترك البخس والظلم فيما وجب للمراضع.
القول في تأويل قوله تعالى: واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير.
يعني تعالى ذكره بقوله: واتقوا الله وخافوا الله فيما فرض لبعضكم على بعض من الحقوق وفيما ألزم نساءكم لرجالكم ورجالكم لنسائكم، وفيما أوجب عليكم لأولادكم فاحذروه أن تخالفوه فتعتدوا في ذلك وفي غيره من فرائضه وحقوقه حدوده، فتستوجبوا بذلك عقوبته، واعلموا أن الله بما تعملون من الأعمال أيها الناس سرها وعلانيتها، وخفيها وظاهرها، وخيرها وشرها، بصير يراه ويعلمه، ولا يخفى عليه شئ، ولا يغيب عنه منه شئ، فهو يحصي ذلك كله عليكم حتى يجازيكم بخير ذلك وشره.
ومعنى بصير ذو إبصار، وهو في معنى مبصر. القول في تأويل قوله تعالى:
* (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير) * يعني تعالى ذكره بذلك: والذين يتوفون منكم من الرجال أيها الناس، فيموتون ويذرون أزواجا يتربصن أزواجهن بأنفسهن.
فإن قال قائل: فأين الخبر عن الذين يتوفون؟ قيل: متروك لأنه لم يقصد قصد الخبر عنهم، وإنما قصد قصد الخبر عن الواجب على المعتدات من العدة في وفاة أزواجهن، فصرف الخبر عن الذين ابتدأ بذكرهم من الأموات إلى الخبر عن أزواجهم والواجب عليهن من العدة، إذ كان معروفا مفهوما معنى ما أريد بالكلام، هو نظير قول القائل في الكلام: