لعلامة لكم ودلالة أيها الناس على صدقي فيما أخبرتكم أن الله بعث لكم طالوت ملكا إن كنتم قد كذبتموني فيما أخبرتكم به من تمليك الله إياه عليكم واتهمتموني في خبري إياكم بذلك إن كنتم مؤمنين يعني بذلك: إن كنتم مصدقي عند مجئ الآية التي سألتمونيها على صدقي فيما أخبرتكم به من أمر طالوت وملكه.
وإنما قلنا ذلك معناه لان القوم قد كانوا كفروا بالله في تكذيبهم نبيهم، وردهم عليه قوله: إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا بقولهم: أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه وفي مسألتهم إياه الآية على صدقه. فإن كان ذلك منهم كفرا، فغير جائز أن يقال لهم وهم كفار لكم في مجئ التابوت آية إن كنتم من أهل الايمان بالله ورسوله وليسوا من أهل الايمان بالله ولا برسوله، ولكن الامر في ذلك على ما وصفنا من معناه، لأنهم سألوا الآية على صدق خبره إياهم ليقروا بصدقه، فقال لهم في مجئ التابوت على ما وصفه لهم آية لكم إن كنتم عند مجيئه كذلك مصدقي بما قلت لكم وأخبرتكم به. القول في تأويل قوله تعالى:
* (فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) * وفي هذا الخبر من الله تعالى ذكره متروك قد استغني بدلالة ما ذكر عليه عن ذكره.
ومعنى الكلام: إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين، فأتاهم التابوت فيه سكينة من ربهم، وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة، فصدقوا عند ذلك نبيهم، وأقروا بأن الله قد بعث طالوت ملكا عليهم، وأذعنوا له بذلك. يدل على ذلك قوله: فلما فصل طالوت بالجنود وما كان ليفصل بهم إلا بعد رضاهم به وتسليمهم الملك له، لأنه لم يكن ممن يقدرون على إكراههم على ذلك فيظن به أنه حملهم على ذلك كرها.
وأما قوله: فصل فإنه يعني به شخص بالجند ورحل بهم. وأصل الفصل:
القطع، يقال منه: فصل الرجل من موضع كذا وكذا، يعني به قطع ذلك، فجاوزه شاخصا