والإذعان له (1).
ثم تفضح الآية الصفة الثالثة لليهود، فتبين أنهم يتجسسون على المسلمين لمصلحة قوم آخرين ممن لا يحضرون الاجتماعات الإسلامية التي تعقد في مجلس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتقول الآية: سماعون لقوم آخرين لم يأتوك.....
وفي تفسير آخر لهذه الجملة قيل أن هؤلاء اليهود كانوا يستمعون إلى أوامر جماعتهم - فقط - وقد كلفهم قومهم بأن يقبلوا ما وافق أهواءهم من أقوال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن يخالفوا أو يرفضوا ما كان عكس ذلك من أقواله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبناء على هذا السلوك فإن ما كان يظهر من طاعة هؤلاء لبعض أقوال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن في الحقيقة إلا طاعة منهم لأقوال كبارهم ووجهائهم الذين أمروهم باتباع هذا الأسلوب، ولذلك أشارت الآية على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يحزن لمخالفات هؤلاء، فهم لم يحضروا عنده أبدا من أجل الاستماع إلى الحق واتباعه!
ثم تذكر الآية انحرافا آخر لهؤلاء اليهود، فتشير إلى تحريفهم لكلام الله سبحانه وتعالى من خلال تحريف الألفاظ أو تحريف المعاني الواردة في هذا الكلام، فهم إن وجدوا في كلام الله حكما يخالف مصالحهم أولوه أو رفضوه جملة وتفصيلا، كما تقول الآية: يحرفون الكلم من بعد مواضعه... (2).
والأعجب من ذلك أن هؤلاء قبل أن يحضروا مجلس النبي كانوا يقررون كما يأمرهم كبارهم أنهم إن تلقوا من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حكما موافقا لميولهم وأهوائهم قبلوا به، وإن كان مخالفا لهوى أنفسهم ردوه وابتعدوا عنه، تقول الآية الكريمة:
يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا....
فهؤلاء قد غرقوا في الضلال وتحجرت عقولهم لغاية أنهم كانوا يرفضون كل شئ يخالف ما عندهم من أحكام محرفة، دون أن يبذلوا جهدا أو عناء في التفكير