في شئ من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرين ".
فقال له الشيخ: وكيف لم نكن في شئ من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرين وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا. (فاستفاد السائل من هذه الإجابة الجبرية) فقال له (عليه السلام): " أو تظن أنه كان قضاء حتما وقدرا لازما أنه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي والزجر من الله تعالى وسقط معنى الوعد والوعيد فلم تكن لائمة للمذنب ولا محمدة للمحسن ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب تلك مقالة اخوان عبدة الأوثان وخصماء الرحمن وحزب الشيطان وقدرية هذه الأمة ومجوسها... " (1) ومن هذا يتضح أن أول من وقع في ورطة الاعتقاد بالجبر هو الشيطان.
* * * ثم إن الشيطان أضاف - تأكيدا لقوله - بأنه لن يكتفي بالقعود بالمرصاد لهم، بل سيأتيهم من كل حدب وصوب، ويسد عليهم الطريق من كل جانب ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين.
ويمكن أن يكون هذا التعبير كناية عن أن الشيطان يحاصر الإنسان من كل الجهات ويتوسل إلى إغوائه بكل وسيلة ممكنة، ويسعى في إضلاله، وهذا التعبير دارج في المحاورات اليومية أيضا، فنقول: فلان حاصرته الديون أو الأمراض من الجهات الأربع.
وعدم ذكر الفوق والتحت إنما هو لأجل أن الإنسان يتحرك عادة في الجهات الأربع المذكورة، ويكون له نشاط في هذه الأنحاء غالبا.